يحسبُها الغلطان حلًّا
زياد الحداء
بينما يستمر العدوّ في سفك الدماء والإفساد في الأرض والتمادي اليومي في التوحش والغطرسة وعدم اللامبالاة بمشاعر أُمَّـة محمد وقدسية أراضيها وحرمة دماء أبنائها والتعمد في المساس بكبرياء وشرف وكرامة المسلمين، تستمر المفاوضات في قطر ومصر وغيرها، وكلّ يوم يأتي تصريح يحظى بترويج إعلامي خارج عن المألوف؛ مما يدُلُّ على حجم الأزمة التي وقعت فيها الأُمَّــة بأكملها والغفلة الشديدة.
على مر تاريخ الصراع تتكرر نفس القضية ونفس المشهد، فيتحَرّك العدوّ الإسرائيلي المغتصب بكل ما أوتي من قوة في مسار القتل والظلم والتسلط على حرمات المسلمين -سواء في جولات الصراع أَو حتى أوقات السلم- ويتحَرّك الغرب في مسار الخداع والدجل والترويض للمشاعر في أوساط الناس بالكلام عن مفاوضات لوقف الحرب والقتل للتسلية والإلهاء.
مقارنة بتحَرّك العربان يتحَرّك اليهود بدهاء، ويزرعون في أوساط الأُمَّــة من يعينهم في تكميم وتقييد حركة الأُمَّــة وتخدير تفكير المسلمين؛ فيقتلون إخواننا بشكل وحشي، ويفعلون الأفاعيل بنا وبممتلكاتنا وبأرضنا، ثم نرى الغالبية من أمتنا لا تبالي بل وكأنها لا ترى أَو تشعر، تتعامل مع الواقع ببرود أَو كأنها مسلوبة الإرادَة، فهم إلى هذا المستوى من الخبث بأن يجعلون منا أُمَّـة تسير حسب ما يريدون، صنعوا بأوساطنا عملاءَ لهم يهيئون لهم الساحة وقد نجحوا في ذلك للأسف في غالبية البلاد الإسلامية.
ومتى ما ظهر لدينا بعض مشاعر الغضب والغيرة فالمكر اليهودي في ترويض المشاعر لدينا أمر ملاحظ بشكل مثير وعجيب ويساعدهم في ذلك علماء السوء وحكام الجور والنفاق -ووسيلتهم في ذلك هي وسائل الإعلام الكاذبة التي تغير وتحرف الحقائق وتنافي الواقع- بتحَرّكات خبيثة ومدسوسة في أوساط الأُمَّــة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب فيتحَرّكون باسم مفاوضات ويطلقون حملات دعائية عن حلول قريبة وعاجلة.
طبعاً هذا أُسلُـوب مخادع يلجأ إليه اليهود عندما يرون الواقع في مسار عكس الذي يريدونه فيستخدمونه -وبمساعدة عملائهم كما أسلفنا- في خدمة أهدافهم كما يلي:
[1] ترويض مشاعر الغضب وامتصاص ردة فعل المسلمين فيتحَرّكون مع حكام العمالة في مسار المفاوضات ويظهر أمام المسلمين علماء السوء بفتاوى ضرورة الالتزام والطاعة لهؤلاء الحكام وضرورة التوكيل لهم في هذا الجانب كونهم الأجدر بالحفاظ على وحدة المسلمين وحمايتهم ودفع الضرر والمفسدة عنهم كما يقولون! وهذا باستخدام وسائل إعلام عملوا على ترويج عروبيتها ومصداقيتها عبر سنين.
[2] العمل المشترك ضد أي تحَرّك جاد ومبدئي في أوساط الأُمَّــة وقمعه والحرص على مسألة أن تكون الشعوب في قبضتهم، والضمان بأنه لا أحد سيتحَرّك بجانب الشعب الفلسطيني.
[3] الهدف الكبير لهم في هذا هو التلاعب بمعنويات المجاهدين والعمل على صنع ثغرات في الجانب العسكري من خلال الركون إلى هذه الأخبار المخادعة والاستغلال للوقت في إعادة ترتيب الصفوف ليحرزوا تقدُّمًا هنا أَو هناك.
[4] كذلك العمل على زعزعة التماسك الداخلي في أوساط الشعب الفلسطيني ومجاهديه عن طريق إظهار المقاومة كطرف عنيف ومتوحش لا يقبل بالحلول وأنه هو المعرقل للحل والمتسبب بإطالة الحرب.
يحصل هذا في كُـلّ جولة من جولات الصراع مع هذا العدوّ الواهن الغاصب وهذه الأُمَّــة لم تفهم إلى اليوم!! لمــــــــــــــــاذا؟!!
ألم تقرأ الأُمَّــة الإسلامية اليوم قول الله تعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أكثرهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) لتعرف أن اليهود لا عهد لهم ولا ميثاق؟!
ألم تقرأ أَيْـضاً (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) لتعرف كمية المكر والخداع لديهم؟! ألم تقرأ أَيْـضاً أنهم لا يريدون لها أي خير وأنهم يريدونها كافرة؟!
لماذا الأُمَّــة تخدع نفسها بالسير وراء فئة ملعونة ذليلة خارجة عن خط الهداية وخط الإنسانية تمادت حتى على الله وتجرأت فقتلت أنبيائه ورسله؟
ببساطة؛ لأَنَّها منفصلة عن القرآن الكريم الذي فيه النور الذي يضيء لها واقعها لترى بنور الله الأحداث من حولها وتعرف حقيقة عدوها، وهم أعداء أزليون يمتلكون في قرارة أنفسهم حقداً شديداً وكرهاً تغيظُ به صدورهم عليها.
الأمة لا تفهم ولا تعقل، ولا تريد أن تجرب كيف تهتدي بالقرآن في معالجة واقعها والتحري عن الطريقة المثلى في التعامل مع أعدائها -خَاصَّة اليهود الذين يتسمون بحقد ومكر وانحطاط تجعل منهم عدو يشكِّلُ خطورةً بالغةً جِدًّا على البشر كافة والمسلمين خَاصَّة-؛ فوقعت في دائرة الضلال والقهر والظلم والتسلط وتركض وراء المكر والخداع والمغالطات التي يحسبها الغلطان حَــلًّا.