ما وراءَ الدعم الأمريكي للعدوّ الإسرائيلي في ارتكاب مجازر الإبادة الجماعية بغزة؟

المسيرة: عباس القاعدي:

يواصلُ جيشُ الاحتلال الإسرائيلي ارتكابَ المجازر الجماعية والمرعِبة بحقّ المدنيّين في قطاع غزة.

ويهدفُ العدوُّ من ذلك إلى تحقيق عدّة أهداف، وعلى رأسها، قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيّين، بغضّ النظر عن أعمارهم، أَو جنسيتهم أَو مواقفهم السياسيّة، وَإذَا ما كانوا مسلّحين، أَو غير مسلّحين، سواء استسلموا أَم قاوموا وحاربوا، فكلّ فلسطينيّ في قطاع غزّة هو هدف للقتل.

ويضع العدوّ الصهيوني الفلسطينيين أمام خيارَينِ: إمّا الهجرة إلى خارج الوطن أَو الموت؛ ولهذا أخذت هذه المجازر المتواصلة طابعَ حرب الإبادة، التي تتم بدعم وغطاء أمريكي وغربي.

ومن خلال هذه المجازر يوجّهُ كيانُ العدوّ الإسرائيلي رسالةً إلى الفلسطينيّين والشعوب العربية والإسلامية، مفادها أن قرار الحرب ومصير فلسطين والدول العربية بيد “إسرائيل” الموجودة فوق كُـلّ القوانين الدولية، وما تخطّط له وتنفّذه يتم، وَأسرعُ طريقة للخلاص من هذه المجازر هو الخروج من مناطق غزة، أَو القتل والدمار، وارتكاب أبشع المجازر بحق الفلسطينيين، والتي تأتي بعد ما فشلت في مواجهة المقاومة الإسلامية حماس التي تقود عملية “طوفان الأقصى” المُستمرّة؛ مِن أجلِ وقف العدوان الإسرائيلي المتشعب ضد الشعب الفلسطيني والأراضي المحتلّة.

وفي المقابل كشفت تلك المجازر التي يرتكبها الاحتلال الوجهَ الحقيقي لأنظمة الخيانة والتطبيع العربية والإسلامية؛ فالبعض منها تسهم بشكل مباشر في تلك المجازر، وتقدم الدعم الاقتصادي والعسكري للعدو الإسرائيلي الذي يسعى إلى تحقيق أهداف الحركة الصهيونية والمتمثلة في إقامة ما تسمى “إسرائيل الكبرى” والسيطرة على المنطقة وثرواتها بشكل عام.

 

انتقامٌ وتهديد:

وعن أهم أهداف وغايات الاحتلال الإسرائيلي من ارتكاب هذا الكم الهائل من المجازر بحق الفلسطينيين وخَاصَّة الأطفال والنساء، يوضح سياسيون، أن هناك 3 أهداف إسرائيلية مركَزية من استعمال هذا الكم الهائل من العنف والجرائم والمجازر، تتمثل في إرواء التعطش للانتقام في المجتمع الإسرائيلي (اليهودي) بعد الضربة الكبيرة التي تلقاها الاحتلال الإسرائيلي يوم السابع من أُكتوبر 2023، وترميم الردع الإسرائيلي عبر إظهار أن “إسرائيل” لديها قوة تدميرية كبيرة، ومن يهاجمها سيدفع ثمناً غالياً، وهذا نوع من بناء الردع الإسرائيلي من جديد بعد أن تهاوى يوم السابع من أُكتوبر، وكذلك إجبار المواطنين في قطاع غزة على النزوح من الشمال إلى الجنوب، لتسهيل عملية تصفيتهم كما يريد الاحتلال الإسرائيلي.

ومن خلال المتابعة للأحداث اليومية، فَــإنَّ ما يقوم به الاحتلال في قطاع غزة هي جرائم حرب، لكن هذه الجرائم ليست غريبة عن كيان العدوّ الإسرائيلي؛ لأَنَّ المشروع الصهيوني ككل؛ من أوله وحتى آخره، هو مشروع غير قابل للتنفيذ إلا عبر استعمال العنف والمزيد من المجازر التي يسعى العدوّ من خلالها إلى تصفية الفلسطينيين بشكل خاص، وإخافة وتهديد الشعوب العربية والإسلامية بشكل عام؛ لذا فَــإنَّ المجازر التي يرتكبها الاحتلال هي سياسة متعمدة لدى الاحتلال الذي يستخدمها دائماً لتحقيق أهدافه السياسية، المتمثلة في قتل أَو تهجير الفلسطينيين، مقابل التوسع والاستيطان.

 

 دورٌ وظيفيٌّ لأمريكا:

وتسعى واشنطن -من خلال تقديم الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي للعدو الصهيوني- إلى القضاء على غزة ومن ثم الضفة وكل فلسطين؛ لتحقيق عدد من الأهداف، أبرزُها إبقاء ما تسمى “إسرائيل” “كدولة وظيفية” تخدم الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، من خلال السيطرة على المنطقة العربية والإسلامية، وسرقة خيرات الشعوب العربية.

لذا يتضح الهدف من ارتكاب المجازر المتواصلة في غزة، واستمرار الحرب؛ فهو ليس للقضاء على حماس -كما يدَّعي الاحتلال-، بل للقضاء على القطاع واحتلاله، فجيش الاحتلال يستهدف المنشآت المدنية والمساجد والمدارس؛ حتى ينفضَّ الناس من غزة ويرحلوا إلى الجنوب، ثم يضرب الجنوب؛ ليعودوا إلى الشمال، وبهذا تسهل عملية التصفية للشعب الفلسطيني.

فلو كان الهدف هو القضاء على المقاومة فقط؛ لما ارتكب المجازر بحق الشعب الفلسطيني المتكرّرة منذ أكثر من ثمانين عاماً، ولما هاجم الضفة الغربية، ودمّـر المستشفيات والمدارس والمساجد، وارتكب مئات المجازر التي خلفت آلاف الشهداء والجرحى.

ولهذا فَــإنَّ سياسة الإبادة الجماعية التي يستخدمها العدوّ الإسرائيلي على الدوام ضد الشعب الفلسطيني ما هي إلا النواة الأولى لتحقيق الأهداف الصهيونية الأمريكية التوسعية في المنطقة، التي لخَّصت عبارة “بن غوريون” أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني “إن الوضع في فلسطين سيسوّى بالقوة العسكرية” أهم المنطلقات الاستراتيجية لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية و”إسرائيل”، وتنفيذ برامجها التوسعية في فلسطين والمنطقة العربية، فكانت المجازر المنظمة من قبل العصابات الصهيونية والجيش الإسرائيلي فيما بعد ضد أهل القرى والمدن الفلسطينية من أبرز العناوين للتوجّـهات الصهيونية والإسرائيلية، وخَاصَّة لجهة قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وإجبار آخرين على الرحيل من أراضيهم وإحلال اليهود المستوطنين مكانهم.

 

 تصوُّرٌ إسرائيليٌّ فاشل:

وتؤكّـد العديد من التقارير أن العدوّ الصهيوني يهدف من ذلك إلى إفراغ قطاع غزة، من خلال تدمير ممنهج لكل مقومات الحياة؛ لتسهل عملية السيطرة، أَو تقليل مساحته أَو كلَيهما، إضافة إلى إعطاء صورة لهذا الجيل الفلسطيني والعربي ومن بعده بأن “إسرائيل” متوحشة ولا أحد يقترب منها، وهذا بعد ما تعرت كليًّا يوم السابع من أُكتوبر، حَيثُ ثبت أنها أوهن من بيت العنكبوت؛ ولهذا يريد الاحتلال استعادة صورة التوحش عبر قتل الشعب الفلسطيني؛ لأَنَّه يعتقد بأن شبل اليوم هو فدائي الغد؛ لذا هو يبيد الشعب الفلسطيني؛ لإيقاف مبدعيه ومخترعيه وتجفيف الأرحام، في محاولة لشطب هذا الشعب من الخارطة، وإحداث تغيير ديموغرافي وعرقي واجتماعي عبر إبادة السكّان الأصليين أَو تهجيرهم، واستبدالهم بمستوطنين جدد.

ومع مرور الوقت، تصبح هذه الأراضي “حقاً للمحتلّ”، وفلسطين وشعبها ضحية السياسة الصهيونية الاستيطانية، وأوضح نماذجها.

ولهذا تتمثل الأهداف الأكثر منطقية بالنسبة لكيان العدوّ الإسرائيلي بالسيطرة على قطاع غزة، وَإذَا انتهت المقاومة، والسيطرة على الجزء الأكبر من مصر، وكل فلسطين والأردن وسوريا ولبنان، وجزء من العراق وتركيا، وجزء من السعوديّة، ستتم إقامة ما يسمى “دولة إسرائيل الكبرى”، واستعادة ثقة الإسرائيليين بقدرة جيشهم على توفير الأمن لهم، وإعادة تأسيس قوة الردع الإسرائيلية بنظر المطبِّعين والمتحالفين مع العدوّ والخصوم في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وهذا لا يتم إلا بدعم ومشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، الملتزمة بحماية الاحتلال والحفاظ على إبقائه في الشرق الأوسط؛ ولهذا تسعى الإدارة الأمريكية الفاشلة إلى مساعدة الإسرائيليين وإخضاع قطاع غزة والمنطقة للحكم الصهيوني، وبمساعدة أنظمة الخيانة العربية والإسلامية، التي أبرمت اتّفاقيات تطبيع مع “إسرائيل”.

ولهذا فَــإنَّ العصابات الصهيونية لعبت دوراً كَبيراً وبارزاً في بناء مشروعها، وعلى الرغم من الاختلاف في طرق عملها وحركتها، إلا أنها كانت متحدة في الهدف الذي رسمته، والمتمثل في إبادة الشعب الفلسطيني وإقامة ما تسمّيه “دولة إسرائيل الكبرى”، بعد السيطرة على المنطقة والتحكم فيها، ولتنفيذ مشروع هذا الكيان الغاصب، وتكريس الاستيطان في فلسطين، تعمل الإدارات الأمريكية المتعاقبة على دعم وحماية الاحتلال الإسرائيلي، الذي أصبح يمارس كُـلّ الجرائم والمجازر في فلسطين، وكذلك أصبح أحد القوى العسكرية الأكثر إجراماً وإرهاباً في المنطقة، ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وتريد الولايات المتحدة بكل بوضوحٍ وصراحةٍ ووقاحةٍ، إعادة احتلال قطاع غزة، والسيطرة عليه، وتمكين الجيش الإسرائيلي فيه، وتعزيز تواجده على معابره وفي وسطه، وسيطرته على محور صلاح الدين الحدودي مع مصر ومعبر رفح، وتثبيت تواجده في محور نتساريم وسط القطاع، ليفصل شماله وجنوبه، ويتحكم في سكانه وأهله، ويسهل عليه انطلاقاً منه تنفيذ عملياته العسكرية، والقيام بمداهمات واقتحامات واجتياحات لمناطقه، والتضييق على الفلسطينيين والتحكم في انتقالهم وتنقلهم، وقتلهم بذريعة الاشتباه، واعتقالهم بتهمة المقاومة والتخطيط لها أَو التفكير فيها.

ولذلك فَــإنَّ المجازر الجماعية التي يرتكبها العدوّ الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لن تكون النهاية، بل هي حلقة في سلسلة سياسات ثابتة في العقيدة الإسرائيلية لدفع الفلسطينيين إلى ترك أرضهم وتحقيق أهداف ديموغرافية واستراتيجية على المستوى الفلسطيني والإقليمي، وإقامة ما تسمى “إسرائيل الكبرى” وبتواطؤ وصمت عربي وإسلامي.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com