القائم بأعمال رئيس الهيئة العام للحفاظ على المدن التاريخية رشاد المقطري في حوار لـ “المسيرة”: الأمطارُ الغزيرة لهذا العام ألحقت أضراراً بأكثرَ من 50 منزلاً في مدينة صنعاء القديمة
المسيرة – حاوره إبراهيم العنسي
أكّـد القائم بأعمال رئيس الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية في صنعاءَ، رشاد المقطري، أن الأضرار التي لحقت بالمنازل والدُّور في مدينة صنعاء التاريخية والمسجلة ضمن التراث العالمي لليونسكو، تتجاوز ألفَي مبنى، رغم أنه تم ترميم حوالي 500 مبنى منها.
وأكّـد في حوار خاص لـ “المسيرة” أن تفاقم المشكلة يحيل المباني متوسطة الضرر إلى حالة الخطر مع مرور الوقت خَاصَّة في ظل موسم الأمطار الاستثنائية هذا العام.
وأشَارَ إلى أن الأمطار الغزيرة لهذا العام ألحقت أضراراً بحوالي خمسين منزلاً تهدَّمت سقوفها، إضافة إلى ثلاثة مبانٍ تهدمت كليًّا، منها منزلان مهجوران، وبيت واحد مسكون سقطت الأدوار “الطبقات” العليا منها، في مدينة صنعاء القديمة، فيما وصلت بلاغاتٌ من المواطنين بما يزيد عن 400 بلاغ عن حدوث أضرار بمنازلهم.
إلى نص الحوار:
– بداية.. ما حجمُ الأضرار التي خلَّفتها الأمطارُ وتغيُّرات المناخ على المدن التاريخية في صنعاء وزبيد وثلاء وجبل؟
بالنسبة لحجم الأضرار الناتجة عن الأمطار الغزيرة على مدينة صنعاء القديمة حوالي خمسين منزلاً تهدمت سقوفها، إضافة إلى ثلاثة مبانٍ تهدمت كليًّا، منها منزلان مهجوران، وبيت واحد مسكون سقطت الطبقات العليا منها.
– ماذا عن زبيد وثلاء وجبلة؟ هناك حديث عن مئات المباني المتضررة؟
الأضرار في زبيد، أضرار متراوحة، ما بين صغيرة ومتوسطة وكبيرة، ولعدد حوالي خمسمِئة منزل.
في مدينة “ثلاء” تضررت 6 مبان، ونوبة من نُوَبِ السور، وفي “جبلة” حوالي 10 منازل تضررت.
– حسب بيان الهيئة الأخير هناك ما يزيد عن المِئة بلاغ لمنازل متضررة في صنعاء القديمة.. وأنتم تتحدثون عن خمسين منزلاً فقط؟
بالنسبة للبلاغات تتزايد بشكل كبير منذ بداية موسم الأمطار، ففي يوم واحد قد يصلنا 200 بلاغ، ولكنها متراوحة، ما بين تسرُّب مياه، أَو تهدم جزئي، أَو كلي للأسقف، وقد وصلت البلاغات إلى أكثر من أربعمِئة بلاغ.
– وصول أربعمِئة بلاغ يشير إلى مشكلة كبيرة في كُـلّ الأحوال؟
السبب وراء تزايد البلاغات يرجع ذلك إلى أنه يوجد أكثر من ألفَي منزل متضرر ما بين متوسط وكبير الضرر، وتتزايد هذه الأرقام سنويًّا، على الرغم أنه ما تم ترميمُه منذ العام 2020، إلى الآن حوالي خمسمِئة منزل.
ومن الطبيعي في حالة الأمطار الغزيرة والمُستمرّة أن تتأثر المنازل التقليدية، وتتزايد البلاغات، علماً بأن هناك إهمالاً كبيراً من أغلبية أصحاب المنازل في تفقدها وصيانتها للأسف، والهيئة لا تملك أية إمْكَانيات لصيانة هذا العدد الضخم من المباني.
– هل لديكم الحصر الدقيق بأضرار المباني التاريخية في ظل مواسم الأمطار الغزيرة؟
الحصر للأضرار تم في العام 2021، وكانت الأضرار حوالي 5000 منزل ما بين أضرار طفيفة ومتوسطة وكبيرة، وأغلبها كانت طفيفة، وحوالي ألف ومِئتَينِ متوسطة وكبيرة في ذلك الوقت، وطبعاً تزايدت الأضرار مع الزمن خلال هذه السنوات الثلاث.
– مع تلك الأضرار بالتأكيد هناك مطالبات بترميم الكثير من مباني المدينة التاريخية، وهذا ما سمعناه من المواطنين، حَيثُ تفاقمت الأضرار هذا العام أكثر من العام الماضي وهكذا؟
لدينا طلبات ترميم من المواطنين بأكثرَ من ألف طلب، وعندما نتكلم عن ألفَي مبنى متضرر، طبعاً يتراوحُ ضررُها ما بين متوسط إلى كبير، والأغلبية طبعاً متوسطة الأضرار، ولكن نتيجةً للأمطار الغزيرة هذا الموسم والمُستمرّة لم نستطع بعد تحديد عدد المباني التي تحولت من متوسطة إلى كبيرة الضرر، ويجري حَـاليًّا مع المجلس المحلي والمجتمع، الحصر الميداني مباشرة ليتم تصنيف الضرر لها بشكل دقيق.
– ما نوع الأضرار التي لحقت بالمنازل والمباني في مدينة صنعاء القديمة؟
بالمجمل تعرضت ثلاثة مبان للانهيار، منها منزلان مهجوران، كما تم تسجيل أضرار نتيجة هبوط في الرصف، وتسرُّبُ المجاري والمياه هو أحد أسباب تآكل الأَسَاسات، ومما تم تسجيله من أضرار، تسرُّب مياه بالأسطح لأكثرَ من أربعمِئة بلاغ.
– ماذا عن حجم الأضرار التي لحقت بمدينة زبيد التاريخية؟
بالنسبة لزبيد عدد المباني المتضررة 447 مبنى، وعدد المعالم 25 مَعْلماً، منها قلعة زبيد ونوبة الكتف وعدد من أبواب المدينة.
وهي بحاجة لأعمال صيانة طارئة خَاصَّة مع أمطار هذا العام.
– أمام الوضع الصعب الذي يعانيه سكانُ المنازل المتضررة.. ما الذي يتم تقديمُه لهم من دعم؟
نحاول توزيعُ عدد من الطرابيل لإيقاف تدهور السقوف وقت الأمطار بعد التأكّـد من استحقاق المباني للطرابيل، وهذا كحَلٍّ مؤقت فترة الأمطار، والمباني التي في خطر نعمل على تدعيمها حتى لا تنهارَ ضمن أعمال الطوارئ التي نقوم بها، وبعضُ المباني المهجورة والخطيرة على المارَّة ندفع بأصحابها لإزالة الخطر ونطلب مساعدةَ الدفاع المدني والمديرية.
– دائماً ما تطالبون اليونسكو بالمساعدات.. ما الذي تقدمه لكم مع تأخير الاستجابة للحالات الطارئة؟
اليونسكو تدعم ترميم عدد من المباني، منها 100 بيت هذه السنة، وقد أكملنا خمسين بيتاً، وبقي خمسون.
وهذا يخص الدعم الروتيني، وبالنسبة للدعم الطارئ وفر لنا دعامات وطرابيل وأخشابَ داعمة.
– من ينفذ المشاريع ليست الهيئة صحيح؟
نحن جهة إشرافية، أما شركاء التنفيذ، هم الصندوق الاجتماعي للتنمية، ومشروع الأشغال العامة، ويتم تنفيذُ مشاريع اليونسكو عن طريقهم.
– جهة إشرافية فقط، وليس جهة تنفيذية؟
نعم، جهة تشرِفُ فنيًّا عبرَ مهندسي الهيئة على جودة التنفيذ للأعمال، وحل الإشكاليات الفنية، وإصدار الاستلامات بعد انتهاء الأعمال، والتأكّـد منها ومن جودتها.
– كيف تتعاملُ الهيئة مع حالات الطوارئ خَاصَّة في مواسم الأمطار، حيثُ إن هذا العام يعتبر موسماً استثنائياً؟
نحن في مثل هذه الحالات الكارثية نطلبُ الدعمَ من كُـلّ الجهات، وحتى من المواطنين أصحاب هذه المنازل؛ فالمسؤولية هي على الجميع، وقد عُقدت عدة ورشات في الهيئة برئاسة الأخ محمد المداني، وحضور عدد من الوزراء وأمين العاصمة لدعم الهيئة في مواجهة حالة الطوارئ، وتم التأكيد على أهميّة الدور المجتمعي في النهوض بأعمال الصيانة والترميم للمدينة القديمة، ويكون الدور الحكومي مساعداً ومكملاً، وتم تشكيل لجان مجتمعية بهذا الخصوص تعمل على تحقيق تلك الأهداف، وعقدت اللجنة العليا للحفاظ على صنعاء القديمة اجتماعاً برئاسة الأُستاذ أحمد حامد، وتم تخصيص دعم من الأمانة لجهود الترميم ودعم مالي من المالية لدعم الأعمال الطارئة، ونعمل حَـاليًّا على ذلك، كما دعمت اليونسكو عبر الصندوق الاجتماعي بعدد من الطرابيل، وأدوات الدعم من دعامات وأخشاب.
– المعروف أن أملاك الأوقاف في صنعاء القديمة كثيرة.. ما الذي تقدمه أَو تقوم به الأوقاف في أعمال الصيانة والترميم لمباني المدينة التاريخية؟
الأوقاف ليس لها دور مساند حَـاليًّا، رغم ترحيبنا بأي دور فعال لها في حماية وإنقاذ معالم الأوقاف بالمدينة.
– ماذا عن أمانة العاصمة؟
الأمانة تعهدت بمبلغ مِئة مليون للترميم.
– أين هو دور الأشغال العامة فيما يتعلق بالرصف والممرات في المدن التاريخية؟
الأشغال للأسف، لا نقول إنهم غير متعاونين تماماً، ولكن إجراءات وشد وجذب وتواصلات حتى يتم التدخل، وحتى في أعمال الرصف واختيار أماكن الرصف نلقى صعوبة بالغة في التوصل إلى تفاهمات أَو خطط مسبقة لأعمالهم داخل المدينة رغم التواصل الرسمي والشخصي معهم، وفي العموم نتمنى تعاوُنَ وتكاتُفَ الجميع.
– ماذا عن إنقاذ زبيد وثلاء وجبلة وقلعة رداع؟
زبيد وثلاء وجبلة ورداع وغيرها تحتاج إلى تعاوُنِ الجميع وتوفير الإمْكَانيات اللازمة، وخَاصَّةً من السلطات المحلية لإنقاذها والتدخل فيها بأسرع وقتٍ ممكن، مع التأكيد أننا في حالةٍ خَاصَّةٍ؛ نتيجةَ شدة الأمطار وطول فتراتها الزمنية والتي تعتبر كارثية ليس فقط بالمدن التاريخية بل على مستوى البلد.
– أنتم تحصلون على مساهمات مالية بموجب القانون من عدة صناديق؟
ما يأتي من الصناديق من مساهمات فهي زهيدة بالكاد تعمل على تشغيل الهيئة ولا يمكن التعويل عليها في أي ترميم أَو طوارئ.
– هل خطط الطوارئ لدى الهيئة مفعَّلة.. هل لديكم خطة للحفاظ على المدن التاريخية أم ما يزال العمل ارتجالياً؟
خطط الطوارئ لدى الهيئة غير مفعَّلة؛ لأَنَّها ترتبطُ بالإمْكَانيات، وهذه الإمْكَانيات غيرُ متوفرة.
ويتم وضع خطط مرحلية بحسب التمويلات التي تتوفر من أمانة العاصمة، أَو اليونسكو، ومع هذا نسعى أن يكون هناك مبلغ دعم يُخَصَّصُ للطوارئ سنويًّا، دون انتظار أية تمويلات؛ ففي أوقات الطوارئ لا تنفع التمويلات؛ لأَنَّها تتأخر.
– ما الإمْكَاناتُ التي تحتاجُها الهيئةُ لتفعيل خطة الطوارئ؟
بالنسبة لتفعيل خطة طوارئ، يلزم -كما قلت- مبلغٌ يُخَصَّصُ سنويًّا لمواجهة أية طوارئ في حينه، قد يصل إلى أربعين أَو خمسين مليوناً، إضافة إلى معدات تدخُّل مثل الدعامات وأخشاب الدعم والسلالم ومواد الأمن والسلامة والطرابيل، وبعض المواد كالعوازل للأسقف، وهذا الدعم نطالب بتوفيره عبر الحكومة ممثلة بوزارة المالية، أَو عبر أمانة العاصمة.
– هل طالبتم من قبل بهذا الدعم؟
طالبنا وما زلنا نطالب بتوفيره؛ لأهميته القصوى.
– كلمة أخيرة؟
نتوجّـه بمناشدة، ليس فقط للحكومة، أَو المنظمات، أَو غيرها من الداعمين، بل هي في المقام الأول مناشدة للمواطنين القاطنين بهذه المدن الحية والتي تحوي الكثير والكثير من موروثنا الثقافي، أن يكونوا أول المهتمين بإنقاذ وصيانة هذا التراث، عندها سيكون الوضع أفضلَ والتدخُّلات الداعمة ستكون قادرةً على تغطية الاحتياجات؛ للحفاظ على هذه المدن والمعالم.