الاحتفالُ بالمولد النبوي: بين مشروعية التعبير عن المحبة واتّهامات البدعة
رهيب التبعي
مع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف، تتجدد النقاشات حول مشروعية الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة، التي تعد فرصة لتجديد المحبة والولاء للرسول الأعظم محمد “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ”، ومع ذلك، يقف البعض على الضفة الأُخرى، معتبرين أن الاحتفال بالمولد بدعة دينية، محتجين بعدم وجود هذه الممارسة في عهد النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-.
الاحتفال بالمولد تعبيرٌ عن المحبة والاتباع:
يرى المؤيدون للاحتفال بالمولد النبوي الشريف أن هذه المناسبة تعتبر فرصة لتجديد المحبة في قلوب المسلمين تجاه نبيهم -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، ولتذكير الناس بسيرته العطرة ومكارمه الأخلاقية التي يجب أن تكون نبراسًا يُهتدى به في الحياة اليومية. كما يعتقدون أن تجمع المسلمين في هذه المناسبة يعزز من وحدة الأُمَّــة الإسلامية ويقوي أواصر الأخوة والمحبة بين أفرادها.
التاريخ والشريعة: هل الاحتفال بدعة؟
على الجانب الآخر، يعتبر بعض علماء السلفية والدعاة التقليديين أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة لا أَسَاس لها في الدين. يستندون في ذلك إلى أنه لم يُنقل عن النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- أَو صحابته أنهم احتفلوا بيوم مولده، ويستشهدون بالحديث الشريف: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”. تخشى هذه الجماعات من أن تكون هذه الاحتفالات بابًا للابتداع في الدين، ما قد يؤدي إلى تشويش العقيدة الإسلامية الصحيحة.
هذا الخلاف ليس بجديد، وهو انعكاس لطبيعة الفقه الإسلامي الذي يقوم على الاجتهاد وتعدد الآراء. فبينما يرى البعض أن كُـلّ ما لم يرد عن النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- يعد بدعة، يرى آخرون أن كُـلّ ما يقرب المسلم إلى ربه ويزيد من حبه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم هو عمل محمود، شريطة ألا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
رسالة الاحتفال: التمسك بالقرآن والنبي سبيلاً للنجاة:
فَــإنَّ التمسك بالله والقرآن الكريم وبنبيه -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- هو الطريقة الوحيدة لنجاة الأُمَّــة الإسلامية والعربية واستعادة مكانتها بين الأمم. ولن تنتصر على أعدائها، أمريكا و”إسرائيل”، إلا إذَا تمسكت بقرآنها ونبيها صلى الله عليه وآله وسلم. إن الاحتفال بميلاد خير البشر -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- هو رسالة إلى أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والذين يسيئون إلى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- ويحرقون القرآن الكريم، بأن المسلمين متمسكون بدينهم وبدفاعهم عن مقدساتهم.
إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو تعبير عن حب المسلمين لرسولهم -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- ورغبتهم في الاقتدَاء به في كُـلّ جوانب حياتهم. وفي الوقت الذي يظل فيه النقاش قائمًا بين مؤيد ومعارض، يظل الأهم أن يبنى الحوار على احترام الآراء المختلفة والسعي نحو وحدة الكلمة، بما يخدم مصلحة الأُمَّــة الإسلامية ويعزز قوتها وتماسكها في مواجهة التحديات الراهنة.