تراجيديا الهوان العربي
فهد الرباعي
مأساة العرب تكمن في اعتقادهم أن الحرب في غزة والضفة لن تتجاوز حدود فلسطين المحتلّة، وأن الفلسطينيين اليوم يخوضون حرباً ضروساً؛ مِن أجلِ الأرض الفلسطينية المغصوبة منذ منتصف القرن الماضي وحسب؛ الأمر ليس كذلك.. فأبطال فلسطين اليوم يخوضون الحرب نيابةً عن العرب قاطبة، يقفون وقفةً شمّاء في وجه الأطماع الصهيونية بدولة “إسرائيل” الكبرى من البحر إلى النهر، وهي الأرض التوراتية الموعودة في كتب اليهود المحرفة.
هذا يعني أن مصر الكنانة أمام خطر داهم لا يبرّر لها الوقوف على الحياد، ومثلها لبنان وسوريا والعراق والأردن، وحتى المملكة السعوديّة التي خذلت القضية أيما خذلان، ورقصت على أشلاء الضحايا وتنكرت للدم العربي المسفوحِ على رمال غزة.
لقد انقسم العرب في معركة طوفان الأقصى إلى ثلاثة أقسام:
قطيعاً منهم ساقته أمريكا إلى حظيرة التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي لتصفية القضية العربية “فلسطين” وللأسف أغلق أعرابُ نجد أبوابهم في وجه المقاومة، ووضعوا المقاومين على لائحة الإرهاب، وفتحوا أبواب الخيانة أمام الأمريكي والإسرائيلي، يشاطرونه الأنخاب في الملاهي الليلية، ويراقصونه بالسيف على السجاد الأحمر.
وآخرون من العرب اكتفوا ببيانات التنديد والشجب، ومضوا إلى التضامن؛ لكنهم سرعان ما اعتادوا على مشاهد الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدوّ في غزة، بطمرهِ الأطفال والنساء تحت أنقاض المنازل، وقصفه الهستيري للمخيمات الآهلة بالمدنيين، وتدميره لكل مقومات الحياة في تلك الرقعة المكلومة من هذا الكوكب؛ فلم تعد تراهم يقومون بالنصرة حتى في حدها الأدنى وهي الخروج إلى الشوارع.
وأما القسم الثالث من العرب وهم القلة: فقد شاطروا الفلسطينيين الحرب والدم، من جنوب لبنان إلى العراق فصنعاء العروبة، لا تزال جبهات الإسناد ساخنة وفاعلة، لا يزال أبطال حزب الله يوجهون الضربات الموجعة لجنود العدوّ على شمال فلسطين المحتلّة ويتسببون بتهجير مئات الآلاف من المستوطنين الغاصبين للأرض الفلسطينية، ومثلهم أحرار العراق بضرب الأهداف الحيوية والحساسة لكيان العدوّ.
وأما اليمن قلعة العروبة وقلبها النابض، بوركت ديارهم كم زخرت بالمروءات، وبورك رجالها الذين تلمح الدهر على ذكرهم فيطوي جناحيه جلالاً، وبورك قائدها أبا جبريل المفدى كيف مسح من سجلات التاريخ عار العرب! أوصد المندب، أذل أمريكا وحلفائها في الأحمر، وطوع البحر جندياً يقاتل تحت راية فلسطين، وجعل الاقتصاد الصهيوني ينزف في البحار، ولا زال يتوعد العدوّ بمفاجآت في البر بتقنيات جديدة لا مثيل لها في التاريخ، لقد حفظ هذا القائد ماء وجه العروبة المهدور على الصحراء العربية، وجعل أبواب التاريخ مُشرعة أمامه وأمام قومه.
وبوركت غزة وأهلها، الواقفون صلاباً في زمن القعود الكسيح، رغم القتل والإبادة والحصار والتجويع لا يزال أهل غزة يُقدمون دروساً مجانيةً في حب الأرض والتمسك بها حتى الرمق الأخير، يفضلون مواجهة الفناء على مغادرة الأرض وكأن لسان حالهم يقول لنتنياهو السفاح:
رُدَّهـا صحراءَ، إن شــئـتَ وَمـوِّجـْهًـا رمـالا…. نحـنُ نهـواهـا على الجَـدبِ إذَا أعطـتْ رِجـالا.