الربيعُ المحمدي والوهَّـابية
دينا الرميمة
لا شك أن للمناسبات الدينية كالمولد النبوي الشريف وذكرى الهجرة وذكرى غزوات النبي مع فلول الشرك والإمبراطوريات العظمى آنذاك وجمعة رجب التي يحييها اليمنيون بشكل خاص وغيرها من المناسبات أثرَها الكبير في ربط المجتمع المسلم بجذوره الدينية، وإحياء التأريخ الإسلامي لتجديد الروحية الإيمانية والجهادية والعودة لقيم الدين المحمدي، الذي أظهره الله على الدين كله، ومعرفة سيرة النبي الحقيقية وأخلاقه التي وصفها الله بقوله: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ليكون محل اقتدَاء وقُدوة للحفاظ على الهُــوِيَّة الإسلامية الجامعة التي تمثل عزة الأُمَّــة ومصدر قوتها، التي يسعى الأعداء لطمسها عبر مخطّطاتهم التي يعملون عليها منذ زمن ضد الأُمَّــة، بمساعدة الدين الوهَّـابي الذي صنعوه وبه حرفوا معالم الدين الحقيقية واستبدلوها بثقافات مغلوطة تنافي كُـلّ آيات القرآن الكريم وسنة النبي، بدءاً من تفسير القرآن والمحرف لآياته؛ فتجرأوا على الله وطعنوا بالذات الإلهية «التجسيم والتشبيه» فجعلوا لله جسماً ويداً وقدماً، وهو الذي ليس كمثله شيء، وزعموا نزوله من عرشه في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ليسمع دعاء من يدَّعيه، وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وأقرب إلينا من حبل الوريد!!
ثم جاؤوا بأحاديث موضوعة نسبت للنبي عن كعب الأحبار وشخصيات تبعد عن عهد النبي بمئات السنين كحديث شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، والباغية التي سقت هرة فدخلت الجنة، وغيرها من الأحاديث التي تهون المعصية!! وجاؤوا بسنن عن النبي تخالف آيات القرآن الكريم حتى يهجر القرآن، وجاؤوا بالبدعة بشقيها الحسنة والتي تدخل صاحبها النار؛ بهَدفِ جعل الأُمَّــة تائهة في أمور دينها تبحث عن الأحكام الشرعية، وقسموا الدين لمذاهب ألهت الأُمَّــة عن كُـلّ ما يرتقي بها بالدنيا ويجعلها صانعة حضارة تجعلها متبعة لا تابعة، وغيبوا الكثير من الأمور كالجهاد لتبقى الأُمَّــة مهزومة تابعة لأعدائها!!
ومن ثم قاموا بتشويه سيرة النبي على عكس ما كانت عليه فوصفوه بالأُمي، وهو الذي خاطبه الله بأول آية أنزلت «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» وقالوا عنه فقير رهن درعه عند يهودي والله يقول «وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ» وأنه هادن اليهود وصالحهم في مخالفه لقوله تعالى: «لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ» وهو الذي قاتلهم في خيبر وبني النظير وبني قينقاع وانتصر عليهم وهزمهم هزيمة ساحقة كما انتصر على إمبراطورية الروم وفلول الشرك، وغير واقع الأُمَّــة من الجاهلية السائدة والخرافات وحياة الذل والاستعباد إلى واقع تملؤه العزة والكرامة على أرض امتلأت عدلاً بنور الإسلام ورحمة وأخلاق نبيه التي جسد بها روحية الإسلام «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ»!!
أيضا كفروا والد النبي الكريم وعمه أبا طالب وجده، وهم الذين إلى جانب رعاية الله تكفلوا برعايته وتربيته تربية إيمَـانية جعلته يستحق لقب الصادق الآمين، وقدمته لوضع الحجر الأسود على جدار الكعبة، وقدموا له الحماية، وأحاطوا دعوته بسياج منيع أحبط مكر الأعداء، الذين تأمروا على قتله وتفريق دمه على القبائل للقضاء عليه وعلى دينه.
ومن ثم توجّـهوا نحو المناسبات الدينية فبدعوها وكفروا من يحييها وعلى الأخص مناسبة ذكرى المولد النبوي يوم ميلاد الحبيب المصطفى الذي بمولده احتفلت الأرض إيذاناً بفجر جديد؛ فانكسر إيوان كسرى وانطفأت نار الفرس وحجبت السماوات السبع عن الشياطين وجفت بحيرة ساوة، فكان يوماً مميزاً عن بقية الأيّام، جعل أحبار اليهود يستدلون أن النبي المرتقب قد ولد وباتوا يبحثون في أي بيت ولد ومن أية قبيلة، وبه احتفل جده عبد المطلب الذي رفعه بيديه وسماه محمداً، فكان من الأيّام التي قال الله عنها: «وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ».
ويذكر التأريخ أن الفاطميين هم من أول من احتفل بالمولد النبوي استجابة لقوله تعالى: «فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا» بعد أن حاول العباسيون والأمويون محو ذكر النبي وآله، وانتقلت الاحتفالات هذه من مصر إلى تونس والمغرب واليمن، التي منها الأنصار، الذين احتفلوا بقدومه إلى مدينتهم بعد أن أخرجه كفار مكة منها!
وأصبحت الكثير من الدول تحييه كيوم عيد بطقوسه المعبرة عن المناسبة! حتى جاء الإسلام الوهَّـابي مبدعاً إحياء هذا اليوم خشية أن تحيا في النفوس روحية النبي وأخلاقه المحمدية!!
وربما تمكّنوا من التأثير على البعض من ضعاف الإيمان والمنافقين، الذين مع ظهور معالم الربيع المحمدي تبدأ حملاتهم المكفرة والمبدعة لإحيائه، لكنهم فشلوا في ذلك بفضل المسيرة القرآنية، وثورة الوعي التي أحدثها السيد حسين، وصحح بها الثقافات المغلوطة والأفكار الدخيلة على الأُمَّــة، وأعاد للدين قيمه الأصيلة المستمدة من القرآن الكريم، ومن بعده السيد عبدالملك، الذي أعاد لهذا اليوم روحيته، وبيّن أهميّة إحيائه ودعا للاحتفال به إحياء يزكي النفوس ويرتقي بها لمراتب المحبين لله ورسوله، ويحبهم الله ورسوله، وكان اليمنيون خير من استجاب لدعوته تعزيراً وتوقيراً لنبيهم بقلوب أحبته بصدق وأرواح اتقنت عشقه؛ فجعلوا يوم مولده ربيعًا محمديًّا ومدرسة تربوية تحييهم، يترقبونه بلهفة وشوق انتحرت على اعتابهما البدعة والوهَّـابية، وعلى أثرهم مضى الكثير من أبناء الأُمَّــة لإحياء هذا اليوم في رسالة لأعدائهم مفادها «مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ» وأُخرى «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ».