“بدعةُ” المولد.. وشرعيةُ الترفيه!
ياسر مربوع
ما إن تبدأ اليمنُ تلبسُ حُلَّتَها الخضَرَاءَ على امتداد الجغرافيا المحرّرة وتتأهب لاستقبال ذكرى المولد النبوي الشريف من كُـلّ عام، حتى تبدأ الأقلامُ المأجورةُ والمدفوعةُ بالمال الخليجي عزفَها المعتادَ؛ للتشويش على الحدث الأعظم في تاريخ الكون؛ فتصدر الفتاوى من علماء البلاط بأن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعةٌ تقودُ صاحبَها إلى الضلالة التي تنتهي بالإنسان في النار، يقولون عن الاحتفال بمولد خير خلق الله “بدعة” فيردّد من وراءهم كورالٌ من المرتزِقة والمنافقين: بدعة.. بدعة.. إنهم يقولون ذلك دون الخوف من الله الآخِذِ بناصية كُـلّ دابة.
ولعلّك تتساءل: لماذا تتخذ المملكة السعوديّة حُكاماً ورهابنةً موقفاً معادياً من مناسبة الاحتفال بمولد خير من وطئ الثرى؟؛ فلا هي احتفلت، ولا هي تركت أنصارَ محمد وشأنَهم وتفرغت لمناسباتها الدخيلة على الإسلام والمسلمين وعلى العادات العربية الأصيلة؛ كـ التمايل مع الموسيقى في شوارع الرياض، والتكدس في المراقص الليلية التي استحدثوها في بلاد الحرمين، والاحتفال بالكريسمس، والتجمهر حول مضمار سباقٍ للكلاب تحت مسمى الترفيه والحداثة؛ وغيرها من هذه المناسبات التي ما أنزل اللهُ بها من سلطان.
في اليمن لم يكن الانتصارُ على التحالف السعوديّ الأمريكي الامبريالي خلال سنوات الحرب عسكريًّا وحسب؛.. كان أَيْـضاً انتصاراً ثقافيًّا وأخلاقيًّا؛ فبعد رُكام عقود بل قرون من التغييب لمثل هذه المناسبات التي لها كبير الأثر في تغيير واقع المسلمين، استطاع السيد القائد أن يجعَلَ اليمن بلداً متميزاً ومتفرداً في إحياء هذه المناسبة؛ فالزخم الأنصاري يزدادُ عاماً بعد عام حتى أن الناظر يحسب أن محمداً “صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ” قد بُعث فيهم دون العالمين؛ فتلك ديار الأنصار تتزين بالألوان الخضراء، وتلك قفارُهم قد بدَّدَ النورُ النبوي ظُلمتَها الحالكة، بل حتى الأرض هذه المرة قرّرت أن تشاطرَهم هذه الفرحةَ العظيمة فاخضوضرت بعد أن جادت السماءُ عليها بالبركات.
إن واقعَنا اليومَ -نحن المتمسكين بمحمد والمجسِّدين لنهجه الجهادي عمليًّا- أفضلُ بكثيرٍ من واقع المُطَبِّعين مع العدوّ الأمريكي والإسرائيلي؛ فنحن -وإن كنا نبيتُ على الطوى- متخمون بالعزة والكرامة، مضاربُنا لا يجرؤ طاغيةٌ على الاقتراب منها، بحارنا ابتلعت عنجهية “إسرائيل” وكبر أمريكا وغطرسة بريطانيا، قضايانا القومية وقضيتنا المركَزية فلسطينُ لا نساومُ عليها ولن نساومَ ما حيينا.
في المقابل يعيشُ الأعرابُ في نجد واقعاً هو أقربُ للذُّلِّ منه إلى العز؛ فهم وإن كانوا يغتسلون في بحور النفط من شدة الترف غير أنهم يفتقرون إلى القرار السيادي وإلى الحياة الكريمة بعيدًا عن إملاءات أمريكا والغرب.
هذه قريش يا رسول الله في مباذلها قد خفرت بالعهود، وعادت تبث في جسد الأُمَّــة سمومَها الطائفية، عادت تمزّق البلدان العربية بأموال النفط من اليمن إلى العراق وسوريا وليبيا، وتغرِسُ خنجرَها في ظهر فلسطينَ الثكلى، وتمد يدَ العون للعدو “الإسرائيلي” المجرم.
لكن سيدركُ ثأرَ الله أنصارُ دينِهِ.. ولله أوسٌ آخرون وخزرجُ.