من خسائر الميدان إلى إنتكاسات السياسة : السعودية تحاول التحكم بمسار مشاورات الكويت وأداء الوفد الوطني في الجولة الاولى أزعجها
مشاورات السلام اليمنية المنعقدة في الكويت أصحبت امام مفترق طرق فإما المضي قدماً نحو حل نهائي أو إنتكاسة يتوقعها الكثيرين من المتابعين والمهتمين.
إنتكاسة بدت مؤشراتها واضحة منذ اللحظة الاولى عندما قرر المبعوث الاممي إسماعيل ولد الشيخ التنصل عن كل التفاهمات والمقترحات التي قدمت في الجولة الأولى لتصبح المشاورات بنسختها الثانية دون جدول أعمال عدا ما حاول ولد الشيخ فرضه وهو في حقيقة الامر ليس إلا رؤية الطرف الآخر المتمثل بالسعودية وحلفائها.
ولد الشيخ أندفع نحو التماهي مع المطالب والشروط السعودية والمتمثلة في أن يقتصر الإتفاق في الكويت على الجانب الأمني والعسكري وعلى أن يتم ترحيل بقية القضايا إلى اجل غير مسمى.
وبينما كان ولد الشيخ يحاول المراوغة كانت السعودية قد أكملت المخطط المتمثل في دفع المجتمع الدولي نحو التماهي مع ما تريد فعله في اليمن محاولةً تصفير المشاورات واعادتها الى مرحلة البداية بعد ان كان مسارها يمضي قدماً نحو حل شامل غير ان الحل الشامل لم يعد يتناسب مع المملكة وأتباعها.
وبينما تستمر الطلعات الجوية والقصف والحصار والتحشيد العسكري في الميدان تعمل دول العدوان سياسياً على فرض رؤيتها في الكويت وهو ما أستدعى رد الجيش واللجان الشعبية لتصبح المعركة عسكرية سياسية بالتزامن.
وبحجم الخسائر السعودية في جبهة الحدود التي أشتعلت مجدداً كانت الإنتكاسات السعودية على الصعيد السياسي مستمرة فقد فشلت مطلع إنطلاقة الجولة الثانية في فرض جدول اعمال المشاورات ليصمد الوفد الوطني امام العروض السعودية التي كانت تارةً على شكل مقترحات اممية وأخرى على شكل عروض من تحت الطاولة.
كان الهدف السعودي يتمثل في نقل المشاورات الى الرياض او مكة وهو ما يعني تحول المملكة من طرف الى راعي والتنصل من عدة استحقاقات والظهور امام العالم كدولة حريصة على دماء الشعب اليمني.
غير ان العروض السعودية لم تخلو من المكر والخديعة فالحديث عن الجانب العسكري الامني يخفي وراءه نوايا أقل ما يمكن وصفها بالسيئة وهو ما جعل الوفد يقدم مقترحات مضادة متمسكاً برؤيتة الشاملة للمرحلة الإنتقالية ما شكل إزعاجاً كبيراً للرياض التي حاولت مراراً تمرير ما تريد غير ان صلابة الوفد الوطني ودقة ما يطرح من مقترحات تستند على معلومات واقعية.
وفي خضم المشهد المتأزم في الكويت كانت تصريحات الناطق الرسمي لأنصار الله كبير المفاوضين في الوفد الوطني محمد عبدالسلام بمثابة تحول جديد في مسار المشاورات فقد كشف الرجل عن كواليس ما يحدث وحذر من مغبة العودة إلى ماقبل الصفر وأعاد الامور الى طبيعتها او حيث يجب ان تكون غير ان المبعوث الاممي ومن خلفه دول العدوان ذهبوا نحو التكتيكات السياسية وهو ما أستدعى التوضيحات من قبل الوفد الوطني.
إن أقل ما يمكن وصفه في الجولة الثانية أن السعودية بدت تخشى كثيراً من تحركات الوفد الوطني وتحديداً تحركات محمد عبدالسلام الذي ظهر كدبلوماسي من الطراز الأول بعد أن تمكن في الجولة الاولى ومعه اعضاء الوفد من كسب مواقف عدد من السفراء الأجانب وكسر حاجز العزلة السياسية التي حاولت السعودية فرضها ولهذا أستبقت السعودية الجولة الثانية أولاً بتزمين المدة وثانياً بحصر النقاشات على مواضيع محددة غير أنها ايضاً فشلت في فرض ذلك ناهيك عن محاولات إظهار الوفد الوطني في مربع رفض الحلول وبالتالي كمعرقل للعملية السياسية وهو ما نجح الوفد في تجاوزه من خلال التعاطي السياسي الإيجابي مع التطورات وتطويع التقدم الكبير في الداخل سواءً عسكرياً أو سياسياً واعتباره ضمن العوامل المحفزة في فرض السلام.
وما بين الجولة الأولى والثانية كان عبدالسلام على تواصل مستمر مع الجانب السعودي ومع المجتمع الدولي قبل أن تعود المشاورات من جديد فيعود الوفد في موعده الى الكويت مؤكداً على ضرورة الحل الشامل ومبدياً في نفس الوقت مرونة واضحة من خلال التنازلات المقدمة فيما الوفد الآخر لم يقدم اي تنازل حتى اللحظة.
كان الوفد الوطني جاهزاً للرد على كافة ما يطرح من قضايا حتى تلك التي قد يعتبرها البعض حساسة أو تندرج ضمن الخطوط الحمراء وبحكنة ودهاء سياسين بل وقانوني عرض الوفد رؤيته وحشد لها التأييد مستمراً في المناورة حين يتطلب الوقت ذلك وتقديم ما يمكن تقديمة من ردود وتوضيحات سيما فيما يتعلق بالمرجعيات والقرارات الدولية والإتفاقات المحلية اضافة الى ما يتعلق بإجراءات المرحلة الإنتقالية.
اليوم تحاول المملكة تضييق الخناق على الوفد حتى لا يكرر تحكمه بمسار المشاورات كما حدث في الجولة الأولى فدفعت نحو تغيير عدد من اعضاء وفد ما يسمى الشرعية واعتمدت خطة اعلامية متزامنة تقوم على نشر الشائعات والتوجه نحو الضغط على المشاورات اضافة الى دفع عدد من السفراء الى تبني الرؤية السعودية.
رغم كل ذلك يحقق الوفد الوطني تقدماً على صعيد كشف نوايا الطرف الآخر ودحض ادعاءاته والبناء على تراكمات سابقة من النجاح السياسي من خلال التأكيد على الحل الشامل وبلغة دبلوماسية رصينة يتجه الوفد الوطني نحو مقارعة الضغط السعودي ليس في الكويت فحسب بل وبالتواصل المستمر مع عدد من الفاعلين الأقليميين والدوليين .