نظامُ البحرين يستهلُّ عامَ التّطبيع الرّابعَ بتضييق الخِناق على مناصري فلسطين
سُندس الأسعد*
في خِضَمِّ الحرب الهمجيّة المتواصلة على غزّة، أربعة سنوات انقضت على تطبيع النّظام البحريني علاقاته مع كيان الاحتلال الإسرائيلي. الشّعب -بمختلف أطيافه الإيديولوجيّة والسياسيّة ورغم كُـلّ الإجراءات التّعسفيّة- لم يتوانَ يُطالب بوقفها وطرد السّفير الصّهيوني من المنامة.
فقد قوبلت الخطوة المشينة برفض شعبي واسع على مدى أعوام أربعة موضحة بما لا يَدَع مجالاً للشَّكّ عمق الهوّة بين الشّعب وبيت الحكم، وكأنّ الأخير في عالم آخر؛ يُوقِّع الاتّفاقيات وفق وتيرة لا يُمكن تفسيرها إلّا كَونها تعبيرٌ عن انصياع الحكم التّام للصّهاينة.
على طَبقٍ من ذهب، قدّم بيت الحكم للصّهاينة ما تبقّى من سيادة على البحرين مقابل بضع برامج تجسسيّة لملاحقة المعارضين، كما حصل على منظومة ليس دفاعًا عن الوطن أَو الأُمَّــة إنّما لاعتراض مُسَيّرات المقاومة، حَيثُ باتت البحرين ساحة مكشوفة بالكامل.
وعلى عكس ما روِّج له داعمو النٌظام عن “سلام” وَ”تعايش” يمكن لاتّفاقيّات أبراهام المشينة أن تُنجزه، فَــإنَّ الإجرام الإسرائيلي مع الفلسطينيين قد افتصح للعالم على الهواء مباشرةً. بات قوّاته أكثر وحشيّة في سفك الدّماء، وباتت قطعان مستوطنيه أكثر جرأة في مُصادرة حقوق الفلسطينيين واقتحام مسجد الأقصى والمخيّمات. وكذلك بات مسؤولوه أكثر وقاحةً في تهديد الشّعوب وفي الاعتداء على اللبنانيين.
بينما يسعى محور المقاومة في غرب آسيا جاهدًا إلى إضعاف الجيش والاقتصاد والأمن الصّهيوني، يسهم النّظام البحريني في دعم كيان الاحتلال بعد أن حظرت اليمن السّفن المتّجهة إلى “إسرائيل” من عبور البحر الأحمر والممرّات المائيّة الإقليميّة الأُخرى.
البيانات لعام 2024 تكشفُ عن ارتفاع ملحوظ في الواردات الإسرائيليّة من البحرين بنسبة بلغت 1161.8% بين يناير ويوليو 2024 مُقارنةً بنفس الفترة في العام السّابق. الواردات بين يناير ويوليو ارتفعت من 6.8 في العام السابق إلى 85.8 مليون دولار في العام الحالي. كما ارتفعت الصّادرات بين يناير ويوليو من 1.5 إلى 2.6 مليون دولار. في السّياق نفسه، بلغ حجم التّبادل التّجاري بين البحرين والكيان اللّقيط 16.8 مليون دولار فقط خلال شهر يونيو الماضي.
خلال أغسطُس الماضي، قال ناصر بن حمد آل خليفة نجل حاكم البحرين في مقابلة مع معهد “اسبن” الأمريكي، أنّ “بلاده كانت في الخدمة لعَرقلَة الهجوم الإيراني على إسرائيل”. كما يُتوَقَّع منها أن تكون كذلك لصدِّ الرّدِّ المُرتقب على اغتيال هنية ما يُؤكّـد أنّ هذه العائلة مُستخدمة لأداء دور وظيفي يُمليه عليه من يستخدمها تَطوُّعًا وبلا مَردود، فقط لتَضْمن سِيادتها على عرش الحكم الديكتاتوري المُطلُق لشعب البحرين الدّاعم للقضيّة الفلسطينيّة منذ البدايات.
في الوقت الرّاهن، يتمنّى النّظام البحريني عَودة ترامب إلى سُدّة الرّئاسة الأمريكيّة، إذ أعطى خلال ولايته السّابقة الضّوء الأخضر للحُكم لتَشديد قَبضته الأمنيّة مع المُعارضين، والّذين يُشكّل الشّيعة غالبيّتهم.
فقد استأنفت السّلطة سِلسلة الانتهاكات الحقوقيّة. قَطعت الكهرباء وماء الشّرب عن سجناء الرّأي في سجن جو المركزي منذ يوم التّاسع من مُحرّم. كما تتعمَّد تجويعهم عبر تقليل الوجبات ومنعها أحياناً، وفق تقارير المنظّمات الحقوقيّة.
السّلطة البحرينيّة استهدفت المتظاهرين سلميًّا دفاعًا عن الفلسطينيين وعن السّجناء السّياسيين، حَيثُ أطلقت الرّصاص المطّاطي والغاز المُسيّل للدّموع بشكل مباشر عليهم؛ ما أَدَّى لإصابة المواطن حسن بدّاو في رأسه.
استدعاءات بالجُملة لعلماء دين، خطباء، النّاعي، المرثيّة. كما تمّ اعتقال الشّيخ عيسى القفاص والرّادود صالح سهوان.
لا يوجد تفسير لهذه السّلوكيّات الأمنيّة سوى رهان العائلة الحاكمة في البحرين على عودة الرّئيس الأمريكي السّابق للحكم، وهو نفسه الذي رعى ودعم توقيع اتّفاقيّات للتطبيع المشينة. ويظنّ هؤلاء أنّ ترامب لن يتوانَ عن القضاء على كُـلّ حركات المقاومة في المنطقة فضلًا عن استهداف إيران والمفاعلات النوويّة وأنّه سوف يحسم الوضع في اليمن لصالحهم فقد سعى ترامب لإنشاء تكتل خليجي في وجه إيران بعد الانسحاب من الاتّفاق النّووي مع إيران من جانب واحد.
التّصعيد في التّجاوزات الحقوقيّة وفَرْض القيود؛ لأَنَّ النّظام يستفزّه قيام المواطنين برسم أعلام الكيان الإسرائيلي على شوارع مختلفة من البحرين، الأمر الذي دفع السّلطات البحرينيّة إلى تهديد “مرتكبيه” بالسّجن.
الموقف المُتباين -بين الحكومة والشّعب البحريني- من حرب الإبادة على غزّة أرخى بظِلاله على الأزمة السياسيّة المُتواصلة منذ فبراير ٢٠١١. لم يتَّعظ هؤلاء الواهمون من المُتغيِّرات الإقليميّة الاستراتيجيّة ولم يتخلّوا عن مغامراتهم الفاشلة مثل حصار قطر والحرب على اليمن. وتصعيد التّوترات الإقليميّة مع إيران، وأخيرا وليس آخرًا مشاركتها في تحالف لصدّ عمليات اليمن في البحر الأحمر وصدّ الصّواريخ الإيرانيّة.
عودة ترامب لن تجعل شعب البحرين يُغيّر رأيه بشأن فلسطين أَو بشأن حقوقه السّياسيّة المُحقَّة. على هؤلاء أن يُقلِّلوا من تفاؤلهم؛ لأَنَّ شعوب المقاومة مُتمسِّكة بخَيار الصمود والكفاح.
واقعًا على الحكم البحريني أن يتصرَّف وفق ما تُمليه مصالح البلد وسيادته، وأن يُركّز على مُعالجة أزماته المتراكمة والمتوالدة فمثل هذه المراهنات الطّائشة لم تحصد منها البحرين سوى الفشل الاقتصادي وتضخّم الدَّين العام وتَقَهقر السّيادة الوطنيّة.
بعد ٤ أعوام من الرّفض الشّعبي، تُمضي العائلة الحاكمة في التّطبيع بل وحماية الكيان الصّهيوني في حرب الإبادة التي يشنّها على غزّة وعدوانه على كُـلّ من لبنان، اليمن وإيران. رفضت التّراجع عن اتّفاقيّات التّطبيع، ولم تدفعها أحداث الحرب للتّأمل في أنّ هذا الكيان أصلاً غير قادر على حماية نفسه، فكيف سيكون قادرًا على حمايتها؟!
* كاتبة لبنانية