ثقافةُ عدم التعظيم
بتول عبدالله الحوثي
استقبل يمن الإيمان ذكرى المولد النبوي الشريف بلهفة وشوق وأحياها أبناؤه مكبرين مهللين ولصاحبها معظمين ولمنهجه مقدسين.
يقيمون ما تسمى شعبيًّا بـذكرى (الموالد) فيها سيرته يسمعون، ولصفاته وخلقه يمدحون، وبالأهازيج يصدحون، وللثاني عشر يحشدون، إدراكاً أنه خير مما يجمعون.
قلوبهم مليئة بحبه، وأفئدته تلهج باسمه، وحناجرهم تلبيه، وأيديهم تنصره، يسيرون على نهجه بكل يقين في جهاد الكفار والمنافقين.
ومع كُـلّ هذه القداسة يبقى هناك صوت شاذ، له موقفه المعادي لهذه المشاعر؛ يرى التعظيم فساداً، والمحبة استعباداً، فلا فرحة عندهم ولا أعياد.
يشنع البهجة والسرور، ويمقت زينة الشوارع والدور، يعتبر الاحتفال تكلفاً، والتفاعل سرفاً والتعاطي معها انحرافاً، والتعظيم لها غلواً، واتخذوا من هذه المعتقدات ثقافة ومنهجاً يدينون لله به، ويتنافسون في اتباعه.
وهذه الثقافة وإن كانت دخيلة على الإسلام إلا أنها ليست جديدة؛ فالأسلاف من اليهود كانوا يتعاطون مع أنبيائهم بهذا الشكل فلا قداسة عندهم لشخص النبي، ولا لمنهجه، ولا تعاليمه، ولا حرمة لوجوده، وكيانه، ولا حتى دمه.
يخاطبون موسى بأن ﴿اذْهَبْ أنت وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ ويسخطون عليه بقولهم: ﴿أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾، ولم ينتهوا عن الإساءة لأنبيائهم وعدم احترامهم حتى وصلوا إلى قتلهم.
كلّ هذه الأمور جعلت منهم كتلاً متحجرة -مع احترامنا للحجارة- عقلوهم جوفاء، وافئدتهم هواء، حتى أصبح الجرم الكبير والفاحشة العظمى لا تساوي لديهم إحدى الصغائر.
والحقيقة أن التعظيم لصاحب الرسالة يصنع عظمة للرسالة، وتعظيم الأعلام يجلب الالتزام، واحترام المتحدث يعطي قيمة للحديث، وتبجيل المعلم يضفي مهابة للمنهج، ويلين القلب، وينور البصائر، وينتج وعيًا، ويثمر سعيًا ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.