لماذا لا يرُدُّ حزبُ الله على الكيان الإسرائيلي؟
د. عبد الملك محمد عيسى
يجب أن نفهم أولاً أن حزب الله لديه مخطّطين استراتيجيين من كبار المخطّطين على المستوى العالمي؛ فقد دخل في حروب كثيرة منها على سبيل المثال عدوان 2006 والنصر الاستراتيجي الذي حقّقه ضد العدوّ الصهيوني، وبعدها حرب سوريا ودخول أمريكا وبريطانيا وفرنسا ودول الخليج للقضاء على النظام السوري القريب منه واستطاع حماية سوريا وانتصر رغم إنفاق مليارات الدولارات لهزيمته، كذلك استطاع هزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا رغم أن الأمريكي أعلن أن المعركة ستستغرق مع التنظيم أكثر من عشر سنوات، وغيرها من المعارك سواء في اليمن، أَو البوسنة والهرسك، وَ…!
بالتالي ما لدينا هي الثقة المطلقة بحزب الله وبقيادة السيد حسن نصر الله، ونبتعد قليلًا عن التنظير البعيد عن الوقائع الميدانية.
فما هو التحليل لمسألة عدم رد حزب الله على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، بما في ذلك التفجيرات واستهداف الضاحية الجنوبية، كُـلّ ذلك سيكون أمراً معقدًا ويعتمد على عدة عوامل استراتيجية وسياسية نستطيع ذكر بعضها هنا:
أولاً: حزب الله قد يفضل عدم التصعيد في هذه المرحلة؛ بسَببِ توازن الردع والمعادلات الإقليمية الذي تم تحقيقه بينه وبين العدوّ الإسرائيلي على مر السنوات منذ العام 1982 وحتى اليوم وهو في صراع مُستمرّ مع هذا العدوّ، وهم أفهم الناس به، رغم التصريحات السابقة التي تربط قصف الضاحية بقصف حيفا، فَــإنَّ حزب الله قد يكون في مرحلة إعادة تقييم لهذه المعادلة، مع العلم أن الدخول في مواجهة مفتوحة مع العدوّ “إسرائيل” قد لا يكون في مصلحة الحزب أَو لبنان في هذه اللحظة؛ بسَببِ الوضع السياسي والاقتصادي الداخلي في لبنان، وكذلك التعقيدات الإقليمية المرافقة للعدوان على غزة فأغلب الدول العربية المتصهينة تقف صفاً واحداً مع العدوّ.
ثانياً: يحاول حزب الله تجنب الفخ الإسرائيلي الذي يسعى إلى جر حزب الله إلى مواجهة مفتوحة من خلال مثل هذه العمليات المحدودة كانفجار البيجرات أَو عمليات الاغتيال وغيرها، وخَاصَّة في ظل الظروف الراهنة، حَيثُ إن المنطقة تشهد توترات في عدة جبهات متعددة، بما في ذلك العدوان على غزة والوضع في سوريا الضعيفة، في هذا السياق حزب الله هو يعي بأن الدخول في مواجهة شاملة الآن يمكن أن يخدم مصالح العدوّ الإسرائيلي السياسية أَو العسكرية، خَاصَّة في ظل تأهبها المُستمرّ وتعاملها مع الأوضاع الإقليمية المتغيرة والدعم الغربي لها على كُـلّ المستويات.
ثالثاً: يسعى حزب الله إلى تحضير أكبر لرد استراتيجي إذَا ما تم تحليل الصبر الاستراتيجي الذي نلاحظه عليه فقد يكون حزب الله في مرحلة تحضير لرد أكثر شمولية وتخطيطاً، يتجاوز ردود الفعل الآنية على الهجمات المتفرقة، فالحزب قد يرى أن الاستجابة السريعة قد تفسر بأنها رد فعل انفعالي، بينما الرد الاستراتيجي المحسوب قد يكون أكثر تأثيراً، في هذه الحالة، يمكن أن ينتظر حزب الله اللحظة المناسبة التي تكون فيها “إسرائيل” في وضع أكثر ضعفاً وهو ما يسعى له الحزب عبر حرب الاستنزاف له سواء في غزة أَو في الجبهة الجنوبية للبنان.
رابعاً: يجب ألَّا ننسى الوضع الداخلي اللبناني فالأزمة الاقتصادية والسياسية في لبنان تؤثر بشكل كبير على حسابات حزب الله؛ ففي الأخير هي تمسح بيئته الداخلية، فالتصعيد مع العدوّ الإسرائيلي يمكن أن يضع ضغوطاً إضافية على الدولة اللبنانية، مما قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الداخلي المعقد، حزب الله يعي جيِّدًا أن أي حرب ضد “إسرائيل” ستكون لها آثار كارثية على الاقتصاد اللبناني والبنية التحتية التي يصعب إعادتها للعمل مرة أُخرى بأقرب وقت نتيجة التعقيدات الإقليمية.
خامساً: قد يسعى حزب الله لإرسال رسالة القوة والضعف للكيان الإسرائيلي فالامتناع عن الرد الفوري قد يكون رسالة للعدو أن حزب الله ليس مضطراً للدخول في ردود فعل متوقعة أَو الاستجابة لاستفزازات محدودة، مما يرسخ انطباع القوة المتحكمة في المشهد الإقليمي بالنسبة للعدو الإسرائيلي، في الوقت نفسه، حزب الله قد يترك الباب مفتوحاً لهجوم مضاد يكون له تأثير أكبر عندما تكون الظروف مواتية، وهذا ما يفهم من خطابات السيد حسن نصر الله، فمنه نفهم أن حزب الله يحاول الحفاظ على حالة من الغموض الاستراتيجي تجاه العدوّ الإسرائيلي، حَيثُ إنه لا يسعى للظهور بمظهر الضعيف، لكنه يحرص على عدم الوقوع في فخ الحرب المفتوحة في الوقت غير المناسب.
ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.