21 سبتمبر ولادةُ وطن جديد من رحم المعاناة
عيسى السياني
كانت ثورة 21 سبتمبر 2014 في اليمن، نقطة تحوّل حاسمة في التاريخ السياسي للبلاد، حَيثُ استطاعت أن ترسم ملامح جديدة للواقع اليمني، مدفوعة بإرادَة شعبيّة صُلبة ومبنية على معاناة حقيقية عاشها الشعب لعقود طويلة، تميزت هذه الثورة بعقيدة إيمانية راسخة ورؤية واضحة للتحرّر من التبعية والوصاية الخارجية.
ولقد حقّقت هذه الثورة المباركة، أهم ركائز الدولة في بناء جيش قوي يحمل عقيدة إيمانية ثابتة يعكس إرادَة الشعب اليمني في الدفاع عن استقلاله وحريته بإيمان قوي ومتين يؤمن بقضية وقضايا الأُمَّــة وعلى رأسها فلسطين، ووقفت في وجه كُـلّ التحديات التي حاولت إجهاضها وإفشال مشروعها التحرّري النهضوي، حَيثُ كانت اليمن قبل ثورة 21 سبتمبر تعاني وبشكلٍ مخيفٍ من التدخلات الخارجية المباشرة، والوصاية التي فرضت عليها من قوى دولية وإقليمية، وكانت هذه الوصاية تمثل حاجزاً أمام تطلعات الشعب نحو الحرية والاستقلال.. ونجحت في كسر هذا الحاجز، وأعلنت بشكل واضح رفضها الشديد لأي تدخل خارجي أَو هيمنة على القرار اليمني.. ولم يكن مسار ثورة 21 سبتمبر سهلاً؛ فقد واجهت الثورة منذ لحظاتها الأولى مؤامرات عالمية ومحاولات مُستمرّة لإفشالها من القوى الكبرى والإقليمية التي رأت في هذه الثورة تهديداً لمصالحها في المنطقة، لكن وبفضل الله استطاعت القيادة الثورية بحكمة وثبات التصدي لكل هذه التحديات والمؤامرات وتمكّنت من الحفاظ على مسار الثورة حتى اليوم، وذلك لما تميزت به عن سائر الثورات، أنها كانت ثورة شعبيّة حقيقية بامتيَاز ولم تكن مؤامرة خارجية أَو مخطّطاً مسبقًا، بل كانت نتاجاً لمعاناة شعب كامل يطالب بالتغيير والعدالة والسيادة الخالصة، ولا تزال هي الركيزة الأَسَاسية لهذه الثورة، حَيثُ قدمت أنموذجًا رائعًا في الصمود والإبداع الثوري ومساراً لإكمال وتحقيق أهداف الثورة 26 سبتمبر رغم كُـلّ المحاولات وَتمكّنت من الحفاظ على مؤسّسات الدولة ومنع انهيارها، لضمان استمرارية الدولة واستقرارها في ظل التحديات الداخلية والخارجية.
إن ثورة 21 سبتمبر كانت انعكاسًا لمعاناة حقيقية عاشها اليمنيون لسنوات طويلة ولم تكن هذه الثورة مُجَـرّد حركة سياسية، بل كانت تعبيراً عن الغضب الشعبي المتراكم نتيجة الفساد والظلم والهيمنة الأجنبية، وهذه المعاناة هي الوقود الذي أشعل شرارة الثورة وأعطاها الزخم الجماهيري اللازم للاستمرار، بالإضافة إلى الوعي الشعبي بأهميتها لتحقيق التغيير وأدرك أن التغيير لا يأتي إلا بإرادَة جماعية، وباتّحاد القوى الوطنية والتزامها بأهداف الثورة وكان بالإمْكَان تحقيق التحول السياسي والاجتماعي المطلوب… رغم كُـلّ تلك المحاولات الواضحة لفرض الهيمنة الأمريكية على اليمن، وبتعاون بعض القوى السياسية التي قبلت بالارتهان الخارجي.. وربما يكون أحد أعظم دروس ثورة 21 سبتمبر هو تعزيز الأمل في نفوس اليمنيين، وحتى في نفوس كُـلّ الشعوب التي تعاني من الظلم والاحتلال.. وقدمت ثورة 21 سبتمبر درساً مهماً في كيفية مواجهة التحديات والصعاب، وأن بالإمْكَان تحقيق النصر مهما كانت التحديات..
وهنا أقول إن ثورة 21 سبتمبر رمزًا مهمًّا في تاريخ اليمن المعاصر ونقطة تحول نوعية في مسار بناء دولة اليمن الحديثة، التي أصبحت حديث كُـلّ الشعوب في التطور العسكري الملفت بدءًا من حَيثُ انتهى الآخرون من المسيَّر والصواريخ حتى الفرط صوتي وفي كافة المسارات والتوجّـهات، وأصبح اليمن اليوم أملُ المستضعفين في كُـلّ الشعوب وخَاصَّة الشعب الفلسطيني، ومظلوميته الكبيرة والتي فرقت بين أهل الحق والباطل ووحدت صفوف الأحرار وكشفت زيف الأقنعة التي لطالما تغنت وتاجرت بالقضية الفلسطينية.