الهروبُ من الفشل في غزةَ إلى التصعيد ضد لبنان: تخبُّطٌ إجرامي يكرّسُ واقعَ هزيمة العدو
المسيرة | خاص:
واصل العدوُّ الصهيوني تصعيدَه الإجرامي ضد لبنان، في مسعى متخبط لتغيير الواقع الجديد والمهين الذي فرضه حزب الله في شمال فلسطين المحتلّة، من خلال إجبار قطعان المستوطنين على النزوح والتعهد بعدم عودتهم إلا بوقف العدوان على غزة، حَيثُ شن العدوّ، الاثنين، غارات جوية مكثّـفة على جنوب لبنان أسفرت عن استشهاد وإصابة المئات من المدنيين؛ الأمر الذي من المتوقع أن ترد عليه المقاومة الإسلامية بتوسيع نطاق عملياتها النوعية في العمق الصهيوني وإرساء المزيد من معادلات الردع التي بدأت ملامحها بالبروز فعليًّا من خلال إدخَال منطقة حيفا في دائرة النيران، مع الإعلان عن دخول معركة “الحساب المفتوح”؛ وهو ما سيفاقمُ مأزِقَ العدوّ الذي يبدو بوضوح أنه يحاول بشكل عشوائي تعويض فشله الذريع في غزة وسقوط كُـلّ حساباته الاستراتيجية.
الغارات الهستيرية التي شنها العدوّ على جنوب لبنان استهدفت المدنيين بشكل مباشر، وأدت إلى استشهاد وإصابة المئات منهم، تحت دعاية وجود أسلحة في المناطق السكنية، وهو ما يعكس رغبة واضحة في خلق صدمة لدى السكان ودفعهم نحو النزوح من مناطقهم؛ بهَدفِ صناعة واقع يقابل الواقع الذي فرضه حزب الله في المغتصبات الصهيونية شمال فلسطين المحتلّة؛ مِن أجلِ الضغط للسماح للمستوطنين بالعودة إلى تلك المغتصبات مقابل عودة اللبنانيين إلى مناطقهم.
وقد بدت بصمات الولايات المتحدة الأمريكية ظاهرة بشكل جلي على هذا التصعيد، حَيثُ صرح بايدن بأنه يعمل على إعادة المستوطنين الصهاينة إلى شمال فلسطين المحتلّة فيما ترافقت الغارات العدوانية مع اتصالات “إسرائيلية” مكثّـفة.
لكن الكثير من علامات التخبط بدت أَيْـضاً واضحة في هذا التصعيد العدواني الذي يأتي بعد مرور عام من المعركة في غزة والتي فشل العدوّ في تحقيق أَيٍّ من أهدافه المعلنة فيها، وهو ما يجعل التوجّـه للتصعيد ضد لبنان محاولة مكشوفة من قبل نتنياهو للهروب إلى الأمام وتجنب مواجهة واقع الفشل والهزيمة في المعركة.
ومن علامات هذا التخبط تجاهل قوة الردع التي يمتلكها حزب الله والتي يبدو أن العدوّ يعتمد في تقييمها على قراءة خاطئة تقترح أنه بالإمْكَان وضع المقاومة الإسلامية بين خيارات صعبة من خلال ابتزازها بسلامة المدنيين، ودفعها إلى التراجع عن موقفها بشأن مواصلة العمليات المساندة لغزة، أَو ابتلاع الاعتداءات الكبيرة على لبنان.
وقد ثبت خطأ هذه القراءة بشكل واضح هذا الأسبوع عندما أدخل حزب الله منطقة “حيفا” في دائرة النيران؛ رَدًّا على جريمة تفجير أجهزة الاتصالات والاعتداءات على المناطقة اللبنانية واستهدف قاعدة “رامات ديفيد” ومجمعات الصناعات العسكرية لشركة “رفائيل”، حَيثُ أثبت الحزب من خلال هذه الهجمات امتلاكه خيارات متنوعة ومرنة لمواكبة التصعيد الصهيوني وفرض كلفة مرتفعة ومكافئة لأية خطوة “إسرائيلية” عدوانية؛ وهو ما يعني حرمان العدوّ من أية فرصة للتحكم بمجريات المواجهة.
هذا أَيْـضاً ما أكّـده إعلان نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، يوم الأحد، بشأن دخول مرحلة “الحساب المفتوح” في المواجهة العدوّ الصهيوني؛ وهو ما يعني إبقاء المجال متاحًا لكل الخيارات المكافئة لما يقدم عليه كيان العدوّ من خطوات، وبغض النظر عن التفاصيل فَــإنَّ هذا يمثل كارثة بالنسبة لمئات الآلاف إن لم يكن الملايين من المستوطنين الذين ارتفعت احتمالات نزوحهم من مناطق ومدن محتلّة إضافية في شمال فلسطين المحتلّة بما في ذلك حيفا التي تعتبر أَيْـضاً مركَزًا اقتصاديًّا استراتيجيًّا لكيان العدوّ.
ومن المتوقع أن تطال هجمات حزب الله خلال الفترة المقبلة المزيد من الأهداف الجديدة على مديات أبعدَ في العمق الصهيوني؛ رَدًّا على الاعتداءات الإسرائيلية، وهو ما سيضع العدوّ الإسرائيلي في مأزق ويجعله يختنق بالمعادلة التي حاول فرضها على المقاومة الإسلامية، ففي الوقت الذي يحاول فيه ابتزازها بسلامة المدنيين سيكون الضغط الذي يشكله استهداف مستوطنات ومدن جديدة في العمق، أشد تأثيرًا عليه، وسيجد نفسه هو –وليس المقاومة- بين خيارات صعبة فإما إجلاء المستوطنين من المناطق الجديدة، وهو ارتداد عكسي مزلزل للعدوان على لبنان، أَو المخاطرة بسلامتهم والتوجّـه نحو المزيد من التصعيد، وهو ما يعني فقدان السيطرة على الوضع، أَو التوجّـه نحو حرب شاملة، وهو أمر يعرف العدوّ جيِّدًا أنه ينطوي على مخاطرَ استراتيجية أكبَرَ بكثير من فوائد “الهروب إلى الأمام” المؤقتة.
وفي هذا السياق أَيْـضاً فمن غير المرجح أن يظل التصعيد على لبنان محصورًا على المواجهة الثنائية بين المقاومة الإسلامية وجيش العدوّ، حَيثُ تدل كُـلّ المؤشرات على أن بقية جبهات الإسناد سيكون لها موقف مواكب للتصعيد، وقد أعلن السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي مؤخّراً الاستعداد للوقوف إلى جانب حزب الله، وهو أَيْـضاً ما أكّـدته المقاومة في العراق والتي نفذت مساء الأحد، هجمات نوعية جديدة بطائرات مسيرة متطورة استطاعت الوصول إلى أهداف صهيونية في غور الأردن مواكبةً للتصعيد ضد لبنان، وبالتالي فَــإنَّ مهمة العدوّ ستكون أكثر استحالة، وستكون الارتدادات العكسية لها أوسعَ بكثير مما يتصور.