حزبُ الله يمطرُ قواعدَ العدوّ الإسرائيلي العسكرية.. وصواريخُ “فادي 3” تدخلُ الخدمةَ بدكِّ قاعدة “شمشون”

المسيرة | عبدالقوي السباعي

معركةٌ هي الأكبرُ والأطولُ مدىً؛ في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، ومن الطبيعي أن تكون لها نتائج، لكن الأهم ما حقّقته من نصرٍ ساحق؛ إذ إن “إسرائيل” التي هزمت كُـلّ الجيوش العربية سابقًا، هزمتها اليوم ثلةٌ من المجاهدين آمنوا بربهم، وتوكلوا عليه ووثقوا بنصره.

معركة “طوفان الأقصى” البطولية وهي تقترب من طي عامها الأول، لم تكن في معزلٍ عن الإسناد من باقي جبهات الجهاد والمقاومة؛ إذ ينعكس العدوان الصهيوني على لبنان على التزام الحزب بمعركته الإسنادية لغزة، وتجريع الكيان بعضاً من بأسه.

 

الأهداف الاستراتيجية والعسكرية للمواجهة الحالية:

في الإطار؛ لا بُـدَّ أن يكون لكل حربٍ أهدافها، لذا نسعى في هذا التقرير إلى إبراز الأهداف الكامنة وراء هذه المواجهة، فعلى مستوى العدوّ الإسرائيلي يُريد إعادة مستوطني الشمال وفرض ترتيبات أمنية في الجنوب اللبناني، وهما هدفان فشل في تحقيقهما.

وجاء على لسان كُـلّ قادة الكيان والذي كان آخرهم “بيني غانتس” في تصريحٍ له مساء الثلاثاء، بالقول: إن “لدى الحكومة وقوات الأمن الدعم الكامل لمواصلة العمل لإعادة سكان الشمال بأمان”، مؤكّـداً أنه “إذا لم يتوقف نصر الله عن إطلاق الصواريخ سنضطر إلى القيام بعملية برية لإعادة سكان الشمال”.

وأما بالنسبة لهدف المقاومة في لبنان وبحسب السيد نصر الله في أكثر من خطاب؛ فهو بسيط وقابل للتحقّق، وقد تحقّق فعلًا حتى اللحظة، وهو إفشال العدوّ الإسرائيلي في تحقيق أهدافه بالاستفراد بالمقاومة وأهلها في غزة، والضغط عليه لإيقاف العدوان ورفع الحصار عليها.

وفي سياق الأهداف العسكرية، يرى كثير من الخبراء أن كيان الاحتلال الإسرائيلي لن يكون قادراً على الاستثمار استراتيجيًّا لضرباته الأمنية التي وجهها للمقاومة، في حين أن المقاومة ستكون قادرة على الاستثمار استراتيجيًّا من خلال ضرباتها الصاروخية التكتيكية، وليس الكيان فقط من دخل مرحلة جديدة، بحسب تعبير وزير الحرب “غالانت”، وإنما أَيْـضاً المقاومة دخلت مرحلة جديدة، والميدان هو الذي سيعبّر عن هذه التطورات.

وبحسب الخبراء فصواريخ المقاومة بلغت، في يومين فقط “الاثنين، والثلاثاء” عُمْقًا من 60 إلى 120 كلم داخل فلسطين المحتلّة، وبالتالي توسَّعت كَثيراً رقعة المستوطنين الذين سيتركون مستوطناتهم أَو الذين سيلوذون إلى الملاجئ، وفي كلتا الحالتين، هذا يعني أن الحياة تعطلت في الشمال من الحدود إلى حيفا.

وسائل إعلام عبرية أشَارَت إلى السؤال البديهي الذي يُطرح دائماً: “أين هي وعود “نتنياهو وغالانت”؟.. هما يواجهان فشلًا مدوّياً”، مؤكّـدةً أن “حزب الله نجح في توجيه ضربات مؤثرة على أهداف استراتيجية داخل إسرائيل، مثل استهداف مدينة حيفا ومجمعات الصناعات العسكرية”، وهذه الضربات أظهرت قدرات الحزب على تجاوز الدفاعات الإسرائيلية والوصول إلى أهداف حساسة.

حكومة “نتنياهو” من جانبها، ادعت أنها استهدفت مواقعَ حيويةً لحزب الله في جنوب لبنان، بما في ذلك مخازن الأسلحة ومراكز القيادة، وأن هذه الهجمات أثرت على البنية التحتية العسكرية للحزب، لكنها -بحسب مراقبين- لم تنجح في القضاء على قدراته بشكلٍ كامل.

وتركز القوات الإسرائيلية هجماتها على مناطق جنوب نهر الليطاني، وتستخدم ذخائر خارقة للتحصينات، كما أعلنت نيتها استهداف مناطق في سهل البقاع، حَيثُ تعتقد بوجود مخازن صواريخ بالستية وصواريخ موجهة لحزب الله.

بينما تستخدم المقاومة “حزب الله” صواريخ “فادي 1” و”فادي 2″، ومؤخّراً صواريخ “فادي 3” الذي دخل خط المعركة والتي تتميز بمسار قوسي وتستهدف مساحات واسعة؛ مما يشكل تحدياً إضافيًّا لمنظومة “القبة الحديدية” الإسرائيلية المختلفة.

ميدانيًّا؛ أعلنت المقاومة الإسلامية في لبنان، (حزب الله)، الثلاثاء، استهداف معسكر “إلياكيم” الإسرائيلي، التابع لقيادة ‏المنطقة الشمالية الواقع جنوبي حيفا المحتلّة، مؤكّـدةً أنّ قصف المعسكر الإسرائيلي يأتي دعماً للشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته، ودفاعاً عن لبنان وشعبه.

وأعلنت استهدافها مستوطنة “كريات شمونة” والمخازن اللوجستية للفرقة ‌‏146 في جيش الاحتلال في قاعدة “نفتالي”، وقال بيان للمقاومة أيضاً: “قصفنا بصواريخ “فادي 3” قاعدة “شمشون” دفاعاً عن لبنان وشعبه”، وكذا “قاعدة دادو” بخمسين صاروخاً”.

وفي عملياتٍ أُخرى نفّـذها خلال الـ21 الساعة الماضية، استهدف حزب الله مطار “مجيدو” العسكري، غربي “العفولة” 3 مرات، وقاعدة ومطار “رامات ديفيد”، وقاعدة “عاموس” (القاعدة ‏الرئيسية للنقل والدعم اللوجستي للمنطقة الشمالية)، ومصنع المواد المتفجرة ‏في منطقة “زخرون” التي تبعد عن الحدود 60 كلم، وقاعدة “نيمرا”.

بدورها؛ أكّـدت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، الثلاثاء، أنه “تم رصد إطلاق نحو 220 صاروخاً من لبنان وهو أكبر عدد يطلقه حزب الله منذ بداية الحرب”، بينما قالت صحيفة “إسرائيل هيوم”: إن “صواريخ هجوم الاثنين، بلغت 300 صاروخ”.

 

تكتيكات المواجهة وتأثيراتها النفسية والمعنوية على كلا الطرفين:

في السياق؛ يرى مراقبون أن التأثيرَ النفسي والمعنوي للمواجهة الراهنة، على مستوى المقاومة اللبنانية، تعكِسُهُ البُنية المؤسّسية العسكرية والتكوين العقائدي القادر على تجديد ذاته تلقائيًّا، وهي قادرة على الاستمرار بفاعلية زائدة، وأن المجريات الميدانية من حَيثُ الفاعلية والكثافة والحضور هي التي مكنت المقاومة على تجاوز ما حصل من استهداف.

وبحسب المراقبين فَــإنَّ حزَب الله استطاع الحفاظ على معنويات مقاتليه وجمهوره، حَيثُ أظهر قدرة على الرد السريع والفعال على الهجمات الإسرائيلية؛ ما عزز من صورته كقوة مقاومة قادرة على مواجهة “إسرائيل”، بينما حاولت الأخيرة من خلال هجماتها تقويض الروح المعنوية لحزب الله، لكنها واجهت تحديات كبيرة في تحقيق هذا الهدف، خَاصَّة مع استمرار الحزب في تنفيذ هجمات مضادة، قد تواجه ضغوطاً نفسية ومعنوية، حَيثُ يشعر المستوطنون بعدم الأمان وزيادة القلق من هذه الهجمات المفاجئة.

وفي سياق التكتيكات العسكرية الميدانية البرية المتوقعة، أشار مراقبون إلى أن “إسرائيل” تستخدم طائرات بدون طيار لجمع المعلومات الاستخباراتية وتحديد مواقع إطلاق الصواريخ التابعة لحزب الله، كما يُتوقع أنها ستعتمد على قواتها الخَاصَّة لتنفيذ عمليات برية محدودة داخل الأراضي اللبنانية.

بينما توقع مراقبون أن حزب الله يعتمد على شبكةٍ من الأنفاق والمخابئ تحت الأرض لتجنب ضربات طيران العدوّ الجوية والمدفعية، وقد يستخدم تكتيكات الحرب الهجينة وحرب العصابات لمهاجمة القوات الصهيونية أَو لتنفيذ الهجوم.

كما أكّـد خبراء عسكريون أنه وفي حال اتسعت رقعة هذا التصعيد فَــإنَّ حزب الله قد يستخدم تكتيكات جديدة مثل زيادة استخدام الطائرات بدون طيار الانقضاضية والصواريخ الثقيلة، وربما سيقوم بتنفيذ عمليات “كوماندوز” عابرة الحدود، وهذه التكتيكات يمكن أن تفاجئ الدفاعات الإسرائيلية وتسبب خسائر كبيرة وفادحة.

وكان الناطق السابق باسم الجيش “الإسرائيلي” العميد احتياط “ملنيس” في مقابلة مع الإذاعة “الإسرائيلية” “103FM”، على خلفية التصعيد في الشمال، أكّـد بالقول: “أعتقد أن الدخول البري هو أكبر حلم لنصر الله، وأعتقد أنّه بالنظر إلى التجربة في الجنوب، فَــإنَّ الأحداث جرت بدون تفكير مسبق”.

 

التأثيرات السياسية على مجريات المواجهة:

في الإطار؛ وفي آخر التصريحات الأمريكية تعقيباً على الأحداث قال “كيربي”: “نحث إسرائيل على تجنب حرب شاملة مع لبنان”، لافتاً إلى أن “تصاعد الأوضاع واندلاع حربٍ شاملة ليس من مصلحة إسرائيل، وهناك طريقة أفضل لإعادة السكان إلى منازلهم”.

كما قال ممثل السياسة الخارجية بالاتّحاد الأُورُوبي “بوريل”: إن “عدد القتلى في الغارات الإسرائيلية على لبنان مثير للقلق”، مُشيراً إلى أن “على مجلس الأمن أن يقوم بدوره ونحن بحاجة ماسة لقطع الطريق على الحرب، وعلى الجانبين وقف إطلاق النار فوراً”.

ويؤكّـد خبراء دوليون أنهم ليسوا متفاجئين بمقدار الخبث والمكر والدهاء الشيطاني الذي يملكه “الإسرائيليون”، وبحجم التوحش والإجرام الصهيوني على لبنان؛ لأَنَّهم جرَّبوا ذلك على مدى عام في العدوان على غزة؛ غير أنهم تفاجأوا بقدرة المقاومة على الصمود والثبات، وتجديد قياداتها بالسرعة اللازمة.

وبالنتيجة؛ فالمواجهةُ الراهنةُ عزَّزت من موقف حزب الله السياسي داخل لبنان، من خلال إظهار قدرته على الدفاع عن البلاد ضد الهجمات الإسرائيلية، وزادت من شعبيته العربية والعالمية، بينما حكومة “نتنياهو” التي كانت تسعى من خلال التصعيد إلى إرسال رسالة قوية لحزب الله ومحور المقاومة عُمُـومًا، لكنها واجهت ردود فعلٍ داخلية عكسية، وكشفت عن إخفاقاتٍ ميدانية، وتواجه ضغوطاً دولية لتجنب حربٍ شاملة، قد تكون آخر عهدها في وجود الكيان الغاصب.

ويأتي ذلك بالتزامن مع عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل والعنيف والواسع على مختلف البلدات والقرى في البقاع والجنوب؛ ما أَدَّى إلى ارتقاء 558 شهيداً، إضافة إلى إصابة 1835 شخصاً منذ صباح الاثنين حتى الآن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com