تأثير شبكة ستارلينك على السيادة اليمنية
محمد العامري
تعتبر خدمة الإنترنت الفضائية المقدمة من قبل مجموعة قليلة من الدول أبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني وفرنسا وغيرها، عن شبكة صهيونية أمريكية بامتيَاز تهدف للسيطرة على العالم الجديد “العالم الرقمي”؛ وتمثل أدَاة جديدة من أدوات السياسة الخارجية لها؛ مِن أجلِ الاستمرار في الهيمنة على العالم الجديد، بغية إعادة الوضع الدولي إلى ما كان عليه في القرن السابق.
فقد أصبح الإنترنت اليوم من الأدوات اللوجستية الملحة لسيادة الدول، لكونه الأدَاة الأمثل لضمان نقل المعلومات في وقتها الفعلي، وأن اعتماد اليمن على شبكة “ستارلينك” لتوفير الإنترنت، سيجعل صناع القرار اليمني عرضة للضغوطات الخارجية؛ مما يدفعها لتعديل سياساتها الأمنية وتقديم الكثير من التنازلات للأطراف الخارجية لضمان استمرار الشبكة، كما سيكون التهديد بفصل “قطع” الإنترنت أدَاة جديدة من أدوات السياسة الخارجية لتلك الدول تجاه الدول المعارضة لسياستها كعقوبات غير تقليدية؛ مما قد يؤثر على استقلالية القرار الوطني في هذا المجال.
فالجميع يسأل لماذا اليمن قبل الجميع؟
فقد جاءت رغبة إيلون ماسك في وقت حساس، وبالتزامن مع تعهد أمريكا وبريطانيا وغيرها بمساعدة حكومة نتنياهو في توجيه ضربة قاسية على القوات المسلحة اليمنية، فربما تحاول إعادة تجربة أوكرانيا ضد الجيش الروسي في اليمن، بعد أن أخفقت أمريكا في اختراق الداخل اليمني، سواء عبر الشبكة التجسسية التي كشفت عنها حكومة صنعاء، أَو من خلال أدوات السياسة الخارجية الأمريكية، فلقد مثلت خدمة الإنترنت الفضائية الفرصة الأمثل لاختراق الداخل اليمني استخباراتي ومعلوماتي، كما ستجعل المجال الجوي اليمني مكشوفاً أمام أي أعمال إرهابية، وهو ما يتناقض مع القانون الدولي لحق الدول على المجال الجوي.
ورغم فوائد شبكة ستارلينك من حَيثُ السعر والسرعة، إلا أنها ستجعل السيادة اليمنية على المحك من خلال محاور متعددة، أبرزها:
المحور الأول تهديدات الأمن القومي اليمني: وتتمثل في الآتي:
– أن الاعتماد على بنية تحتية أجنبية ستشكل تحديًا وشيكًا للأمن القومي اليمني، من خلال تغيير سياسات الشركة أَو القوانين الأمريكية على أمن الشبكة، أَو من خلال العبث والتنصت على البيانات القومية.
– أن التحكم في البنية التحتية للاتصالات سيساهم في تدخل النفوذ الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول، مما يؤثر على الاستقرار الداخلي بجعلها عرضة لضغوط أَو قيود تتعلق بالأمن القومي، وَأَيْـضاً باستحالة فرض القوانين الوطنية على شبكة تدار من خارج البلاد، مما سيؤثر على القدرة الوطنية في تنظيم أَو مراقبة النشاطات الرقمية داخل حدودها.
– فقدان السيطرة على تدفق المعلومات والبيانات، حَيثُ قد تتمكّن أطراف خارجية من الحصول على معلومات حساسة عبر الشبكة؛ مما قد يُعرض الأمن القومي اليمني للخطر.
– الاحتلال الرقمي: يمثل الاحتلال الرقمي التهديد الأكبر فلن يكون البعد الجغرافي أَو الاقتصادي أَو السياسي بعد اليوم عائقاً أمام الاحتلال الحديث، حَيثُ يمكن من خلال خدمة الإنترنت الفضائية رصد وتحديد المواقع والمعلومات الاستراتيجية واستهدافها بكل سهولة، وسيمثل أدَاة حرب فعالة، حَيثُ ستتغير طرق شن الحروب التقليدية، والاحتلال البدائي، إلى حروب أقل دموية وأقل عرضة للردع أَو المقاومة.
– اختراق الفضاء السيبراني: من المؤكّـد أن الفضاء السيبراني جزء من السيادة الوطنية ويجب حمايته كغيره من الفضاءات، فالاعتماد على الشبكة الخارجية ستساهم في اختراقها مما سيقود إلى صدام كبير بين مبدأ سيادة الدولة على هوائها واتصالاتها، وأمنها القومي من جهة أُخرى.
المحور الثاني الاستهداف السياسي: يعتبر استخدام هذه الشبكة كأدَاة للسيطرة على قنوات الاتصال هي إحدى الركائز الاستراتيجية الحديثة لهذا الخدمة الجديدة، بالإضافة إلى:
– التأثير في التوازن السياسي: عبر استخدامها في دعم وتعزيز النفوذ السياسي لأطراف على حساب أطراف أُخرى؛ فضلًا عن التهديدات الأمنية المتعلقة بشبكات توصيل المعلومات، عبر اعتراض المعلومات المرسلة وحذفها أَو إحباط فعاليتها مثل حجب المحتوى وتسريب المحتوى.
– مخاطر الاستغلال السياسي: عبر استخدامها في حالات الطوارئ والأزمات لمشاركة معلومات تجسسية واستخباراتية بسرعة، أَو عبر تسريب معلومات مضللة مثل دعاية سياسية؛ تؤدي إلى زعزعة استقرار الأمن القومي.
المحور الثالث الاغتيال الاقتصادي: وتمثل في الآتي:
١- التهديدات الاقتصادية: تمثل التهديدات الاقتصادية عنصراً فعالاً في استهداف الدول، وقد تمثلت في موارد الجمهورية اليمنية التكنولوجية مثل أمن المعدات والتقنيات الحديثة، من خلال التحكم الضار في الأقمار الصناعية، عبر حقنها بفيروسات من المحطات الفضائية أَو الأرضية؛ بهَدفِ التقليل من عمرها الافتراضي، وإعاقة تطورها وتقدمها في المجال التكنولوجي، بغية احتكار أدوات الإنتاج الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وغيره.
٢- التأثير على السياسات الاقتصادية: أن وجود مشغل أجنبي يسيطر على البنية التحتية للاتصالات اليمنية، سيؤثر على السياسات الاقتصادية، وقدرة الحكومة اليمنية على فرض السيطرة على السوق الرقمي، وأن أي انقطاع في الخدمة يمكن أن يودي إلى انهيار رأس المال اليمني الناشئ.
المحور الرابع الانحلال الثقافي: من خلال القدرة على التأثير في نوعية المعلومات التي تصل إلى الجمهور وتقييد المعلومات التي لا تتناسب مع سياستها، كما نلاحظ اليوم من تعاملهم مع المحتوى الفلسطيني.
كما تسعى إلى إعدام الهُــوِيَّة اليمنية: أن التحكم في تدفق المعلومات سيشجعهم على نشر المحتوى الذي يتناسب مع الهُــوِيَّة الغربية، حتى إذَا كانت تتعارض مع الدين الإسلامي والهُــوِيَّة الإسلامية؛ بقصد استهداف الإسلام والثقافات العربية من خلال تقديم محتوى محمل بالرذائل؛ كما ستقوم في المقابل حظر المحتوى العربي الإسلامي الأصيل؛ باعتبَاره معارضًا لسياستها الداعية للمثلية والعرق اليهودي الأسمى، وغيرها.