سماحةُ الشهيد السيد حسن نصر الله.. الأمينُ المحبوبُ في اليمن

المسيرة – أحمد داوود

فُجِعَ الشعبُ اليمني كغيره من شعوب وأحرار الأُمَّــة بنبأ استشهاد سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

بالنسبة لليمن، فالشهيد السيد حسن نصر الله هو رمزٌ للعزة، والشموخ، والكرامة، والحرية، والإباء، وهو ساكنٌ في وجدان اليمنيين منذ سنوات كثيرة، وهو الحاضرُ في عواطفهم، صُوَرُه تجدُها معلَّقةً في منازلهم، وتباع في الطرقات والشوارع وفي التجمعات الكبيرة.

وازدادت محبة اليمنيين للشهيد حسن نصر الله، مع العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي الغاشم على اليمن الذي بدأ في 26 سبتمبر عام 2015م، حَيثُ كان -رحمه الله- أول من وقف مع اليمن وساندهم.

ويعد -رحمه الله- من أبرز المدافعين عن اليمن ومظلومية الشعب اليمني، ومواقفه واضحة وصادقة في هذا الجانب، حَيثُ لم يأتِ زعيمٌ أَو قائدٌ عربي بمثل ما أتى به، وبمثل ما ناصر به اليمن، وتأثر بما يحدث في بلادنا، حَيثُ لا تخلو خطاباتُه من التأييد والانحياز الكامل للشعب اليمني.

لقد خرج الشهيد السيد حسن نصر الله في اليوم الثاني من العدوان على اليمن؛ ليفردَ خطاباً عن اليمن، وجاء بعكس كُـلّ المواقف، حَيثُ أدان العدوانَ، واستنكر بيانَ حكومة سعد الحريري المنحاز للإجرام السعوديّ، كما استغرب من موقف السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس أبو مازن التي انحازت كذلك للعدوان الغاشم على اليمن.

وقال الشهيد يومَها مخاطباً أبو مازن: “كيف تؤيّدُ حرباً على شعب؟ اذهب إلى بيتك، هذا سيفقدك منطقك عندما ستشن “إسرائيل” حرباً عليك، وَإذَا ما حصل عدوان إسرائيلي على الضفة وغزة، كيف ستجد تعاطفاً معك؟”.

وفي سياق الوقوف إلى جانب الشعب اليمني يقول: “أما نحن فلن يمنعنا شيء، لا تهويل ولا تهديد ولا تبعات، من أن نواصل إعلاننا لهذا الموقف، موقف التنديد بالعدوان السعوديّ الأمريكي على اليمن وموقف التأييد لهذا الشعب المظلوم والمقاوم والصامد والمنتصر إن شاء الله”.

ويواصل -رحمه الله-: “هذا الموقف، منذ اليوم الأول، أعلناه لله وليوم القيامة والآخرة ويوم الحساب، لا للتاريخ ولا للجغرافيا، فليكتب التاريخ ما يشاء، نحن قوم مسؤولون أمام الله وسنحاسب على الموقف، والمسؤولية في هذه المرحلة التاريخية الخطيرة الكبرى التي لا تطال اليمن وحده بل المنطقة والأمة جمعاء”.

وتابع قائلاً: “قالوا: هذه حرب العرب، هذه حرب العروبة، الآن مشكلتهم معنا، أنا وإياكم أننا نحن عرب، قد يتهموننا أننا تابعون لمن؟ كُـلّ شيء مفتوح، ولكن نحن عرب، فلنحكِ أننا عرب. الآن قالوا إن هدف هذه الحرب هو الدفاع عن عروبة اليمن، حسناً، هل فوضت الشعوب العربية النظام السعوديّ أن يشن حرباً باسمها، باسم العرب، على اليمن.

حرب عربية على من؟ حرب العرب على من؟ على شعب عربي؟ على العرب الأقحاح؟

انظروا إلى سحنتهم، إلى لهجتهم، إلى لُغتهم، إلى شِعرهم، إلى أدبهم، إلى بلاغتهم، إلى فصاحتهم، وانظروا إلى شهامتهم وشجاعتهم وحماستهم وأبوّتهم وإبائهم للضيم ونخوتهم وغيرتهم وكرمهم وجودهم. إن لم يكن الشعب اليمني من العرب فمن العرب؟”.

ونجد سماحة السيد حسن نصر الله يؤكّـد في خطاب له في الأول من مارس آذار سنة 2016م أن أشرف وأعظم ما فعله في حياته هو خطابه في اليوم الثاني من العدوان على اليمن، مؤكّـداً أنه لا توجد مظلومية على وجه الكرة الأرضية توازي مظلومية الشعب اليمني نتيجة الحرب السعوديّة، وأن وقوفه ووقوف حزب الله مع الشعب اليمني أهم وأرقى من مواجهتهم لـ “إسرائيل” في حرب تموز.

وفي وقت كان العالم ينظر فيه إلى أن العدوان الأمريكي السعوديّ سيجتاح اليمن ويهزم الشعب اليمني، كان سماحة الشهيد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يرى عكس ذلك، فهو يقول: “في اليمن شعب يقول هيهات منا الذلة وأي شعب يقول ذلك سينتصر دمه على السيف، وهذه هي الحقيقة”.

 

 أحزانٌ مشتركة.. همومٌ واحدة:

وخلال ما يقارب عشر سنوات مضت من عمر العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا، كان -رحمه الله- يتابع باهتمام بالغ كُـلّ تفاصيل المعركة، بل ويعلق عليها في خطاباته، فهو يفرح لفرح الشعب اليمني، ويحزن لحزنه، يتألم حين يستشهد الأطفال والنساء والمدنيون، وحين تقصف البنية التحتية بدون سبب، متمنيًا لو كانت هذه العاصفةُ أَو الحملةُ الهوجاءُ على اليمن موجَّهةً ضد الكيان الصهيوني الغاشم، كما أنه يرى أن كلفةَ المعركة مهما كَبُرَتْ هي أقلُّ من كلفة الاستسلام لمن يريد أن يصادر سيادتهم وقرارهم وكرامتهم.

ولهذا نجدُه –سلام الله عليه- يبعثُ التعازيَ إلى القيادة عند استشهاد القادة الأبطال الذين يتصدون للعدوان والمرتزِقة، حَيثُ يقول في برقية تعزية لاستشهاد الرئيس صالح علي الصمَّاد في 24 إبريل 2018م: “إن شهادةَ هؤلاء القادة كانت دائماً تعطي دفعاً قويًّا وهائلاً للمجاهدين والمظلومين لمواصلة طريق الجهاد والصبر وتحمل الصعاب، كما شهادةُ سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين -عليه السلام- التي ما زالت تلهمُ الثائرين منذ مئات السنين”، مُشيراً إلى أن “هذه الجريمة، والتي تضاف إلى بقية جرائم العدوان السعوديّ – الأمريكي على شعبكم تشكّل دليلاً إضافيًّا على مدى ظلامية ووحشية قادة هذا العدوان، وفي نفس الوقت على مدى صبر ومظلومية وحقانية هذا الشعب اليمني الغيور”.

وزاد بقوله: “إنني أدرك جيِّدًا حقيقة مشاعركم في هذه الأيّام وفي هذه الحادثة الكبيرة؛ لأَنَّني عايشت تجاربَ مشابهة لها في فقد قادة كانوا سنداً وقوةً في كُـلّ المراحل، إلا أن إيمَـانَكم العظيم وصبركم الجميل وعزمكم الراسخ وقدرتكم الكبيرة على تحمل الشدائد سيجعلكم إن شاء الله تعالى تعبرون هذه المحنة مرفوعي الرؤوس شامخي القامات”.

 

أُمنيةُ القتال مع اليمنيين:

ويتابع الشهيد السيد حسن نصر الله سير المعارك العسكرية في جبهات القتال على مدى السنوات الماضية، ثم يخرج بخطابات يعلن فيها انبهاره الكبير بالمقاتلين اليمنيين الأبطال، وبقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدرين الحوثي، ولا سيما ما حدث في الساحل الغربي، حَيثُ يقول: “عندما نزلوا إلى الميدان كانت هزيمة نكراء وما جرى في الساحل الغربي اليمني أشبه بالمعجزة؛ لأَنَّ القتال يجري بين أقوى أسلحة الجو وأجهزة استعلام قوية وتقنيات وجيوش وقوات، وبالمقابل شعب مجاهد يملك إمْكَانيات متواضعة لكن يملك إيمَـاناً كَبيراً وثقة بالله”، ثم يؤكّـد بقوله: “في التجربة الأخيرة في الساحل الغربي يجب أن ننحنيَ إجلالاً لهؤلاء المقاومين الأبطال ولقياداتهم الشجاعة”.

وتابع قائلاً: “أنا خجول أنني لستُ مع المقاتلين اليمنيين في الساحل الغربي وأقول يا ليتني كنت معكم أقاتلُ تحت راية قائدكم الشجاع والحكيم، وكل أخ من المقاومة يقول ذلك”، مُضيفاً: ”لتعلم السعوديّة والإمارات أنهم أمام شعب لن يستسلم ولديه قدرة عالية على الصمود”.

ويجدِّدُ –رحمه الله- التأكيد على أن مظلومية الشعب اليمني تشبه مظلومية كربلاء؛ ولهذا يقول في خطاب ذكرى عاشوراء الذي ألقاه في بيروت يوم 21 سبتمبر 2018م: “نجدد وقوفنا إلى جانب الشعب اليمني المظلوم المعذب المقاوم والمجاهد، والذي يعيش في كُـلّ يوم منذ ما يقارب الأربع سنوات يعيش في كُـلّ يوم وعلى مدى الساعات كربلاء متواصلة، كربلاء العصر هي التي تجري الآن في اليمن بكل ما للكلمة من معنى؛ لأَنَّك في معركة اليمن عند هذا الشعب المظلوم ستجد مظلومية كربلاء وغربة كربلاء وحصار كربلاء وعطش كربلاء وحصار العالم لكربلاء وتخلي الأُمَّــة عن كربلاء، وهذا هو الذي يجري اليوم في اليمن”.

وَأَضَـافَ نصر الله: “المشهد الآخر من كربلاء الصلابة، والشهامة، والشجاعة، والبطولة، والصبر، والثبات، أَيْـضاً تجده في اليمن، نحن في يوم الحسين عليه السلام نرى أنه من أوجب الواجبات على الشعوب العربية والإسلامية وعلى كُـلّ عربي ومسلم وعلى كُـلّ إنسان شريف وحر في هذا العالم أن يخرج عن صمته إزاء هذه المجزرة البشعة اليومية التي تنفذها قوى العدوان الأمريكي السعوديّ على الشعب اليمني، هذا الصمت يجب أن يُكسر وهذا السكوت يجب أن ينتهي، ويجب أن يتحَرّك كُـلّ العالم، وهذه المسؤولية مسؤولية إنسانية وأخلاقية ودينية واللهِ سيسأل الجميع عنها يوم القيامة؛ لأَنَّ هذا السكوت؛ ولأن هذا الصمتَ يُشَجِّعُ هؤلاء المجرمين القتلة على مواصلة مجازرهم وعلى مواصلة توحشهم بحق الأطفال والنساء والمدنيين والبشر والحجر في هذا اليمن المظلوم وهذا اليمن العزيز والغريب”.

 

 اليمنُ يُفشِلُ صفقةَ القرن:

ويوضحُ الشهيدُ الأمينُ العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بعضَ المتغيرات الدولية التي كانت نتاج حرب اليمن، ومن بينها فشل صفقة القرن التي تبناها الرئيس الأمريكي السابق رونالد ترامب؛ ليؤكّـد سماحته أن فشل ابن سلمان في تحقيق انتصار في اليمن شكَّلَ عاملاً من عوامل إفشال صفقة القرن.

وقال السيد نصر الله في خطابٍ له يوم 12 نوفمبر 2019م: “إن الموقف التاريخي الذي أعلنه القائد الشجاع والعزيز السيد “عبدالملك بدرالدين الحوثي” فيما يعني الصراع مع العدوّ الإسرائيلي يجب أن نتوقف عنده، وإن إعلانه بالرد على أي اعتداء إسرائيلي على اليمن له أهميّة كبيرة؛ كونه يصدر عن قائد لجبهة ما زالت تقاتل منذ 5 سنوات جيوشاً وقوىً كبرى”، مُشيراً إلى أن ذلك الإعلان التاريخي للسيد عبد الملك أمام ملايين اليمنيين المحتشدين في الساحات بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف هَــزَّ العدوّ الإسرائيلي؛ كونه يدرك تماماً مصدر هذا الإعلان وجديته، وأبعاده، لافتاً إلى أن السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي قادر على أن ينفذ تهديداته؛ مما استدعى الإسرائيليين إلى التوقف عند هذا التهديد، معتبرًا أن ذلك يأتي عامل قوة إضافيًّا ومهمًّا جِـدًّا في محور المقاومة وأن السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي لم يكشف أوراقه في الرد وتوجيه أقسى الضربات على كيان العدوّ، وهذا مهمٌّ جِـدًّا.

ومن الأمور التي أذهلت سماحة السيد حسن نصر الله عن الشعب اليمني هو عشقُهم الكبيرُ ومحبتُهم لرسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- والاحتفالُ المتواصلُ بالمولد النبوي.

ويمكن القولُ بعد كُـلّ ما سبق إن الشهيدَ السيد حسن نصر الله، قد وجد نفسَه المدافعَ والمناصِرَ الأولَ في العالَمِ مع الشعب اليمني، وهو من يمتلئ قلوب اليمنيين حباً له، ولم يبخلوا أبداً في مناصرتِه وكل من ساندهم ووقف إلى جانبهم في محنتهم الكبرى.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com