الإسلام دين الوحدة
ق. حسين بن محمد المهدي
لقد جاء محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- بدين الإسلام، الذي هو دين الوحدة في العقيدة والاتّجاه، دين الوحدة في الفكر والعمل.
فدين الإسلام لا يعرف للمسلمين إلا دولة واحدة، تقوم فيهم حدود الله وأحكامه، وقد كان هذا الأمر قائماً رِدحاً من الزمن حين كان النظام الشرعي الوحيد للحكم الإسلامي تعاليم الرسول الخاتم محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام، وكان للمسلمين خليفة واحد وإمام واحد، وهذا الأمر في شريعة الإسلام على غاية من الأهميّة، وإعلان ذلك لا يتوقف على وحدة الاقطار الإسلامية، ولكنه يتوقف على وجود الدولة النواة القادرة على فرض الوحدة على المسلمين أَو الدعوة إليها، أَو القادرة على العمل؛ مِن أجلِها.
فلو كان العالم الإسلامي هو العالم كله لوجب أن يكون فيه دولة واحدة؛ لأَنَّه أُمَّـة واحدة، (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّـة واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّـة واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ).
وإذا كان العالم الإسلامي يمتد في عصرنا هذا من المحيط إلى المحيط فقد وجب أن تقوم فيه دولة واحدة.
وينبغي أن يكون عند المسلم هذا الأمر من البديهيات؛ باعتبَاره فريضة لا يجوز التهاون في عدم إقامتها، فعلى فريضة إقامة رئيس واحد، أَو إمام واحد، أو خليفة واحد أَو ملك واحد إجماع المسلمين.
وقد كان الإمام الحق الداعي إلى الحق علي -عليه السلام- يقاتل؛ مِن أجلِ ذلك، وضحى كبار الصحابة بأنفسهم مع الإمام علي في صفين؛ مِن أجلِ ذلك، وقد قُتِل العشرات ممن شهدوا بدراً وهم يقاتلون مع الإمام علي يضربون الباغي بسيف الحق، فأين الأسود الغاضبة لغضب الله، وأين الدولة الذي تدعو إلى ذلك، ونحن في عصر المواصلات السريعة والإدارة، والإدارة المتطورة نرى دولة بحجم أمريكا وهي تَضُم عدة ولايات، وبحجم روسيا والصين وهي تضم عدة أقاليم وكيانات، ألم تكن الدولة الإسلامية الواحدة ممتدة من المحيط إلى الصين، ولم تكن هناك وسائل اتصال.
إن الوحدة الإسلامية قد أضحت ضرورة لا بُـدَّ منها؛ مِن أجلِ الحفاظ على بيضة الإسلام، إنها السلاح الوحيد للمسلمين إذَا أرادوا أن يشكلوا قوة ذات وزن دولي يستطيعون بها تحرير فلسطين والأقصى الشريف من الصهيونية اليهودية، ويستطيعون بها الحفاظ على الأقليات المسلمة التي هي جاثمة ومهيمنة عليها دول الاستكبار.
إن هذا الأمر ليس مستحيلاً إذَا صمم المسلمون عليه كما يصمم حزب الله وأنصاره، فإذا توافر الجد والإخلاص لله سبحانه وتعالى، والاعتماد والتوكل عليه فسيكون ذلك بفضل الله ميسراً.
إن إخضاع العالم كله لكلمة الله وحده يتحقّق بإقامة دولة واحدة على العالم الإسلامي كله.
إن العالم الإسلامي الآن في ظل هذه الظروف يشاهد قتل المسلمين والعبث بحقوقهم من قبل اليهودية الصهيونية في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن وغير ذلك، ولا يحرك الكثير من هذه الدول المتقزمة ساكناً، وكأنهم يعيشون حالة بؤس ومحنة وفتنة، مع أن الله قد أمرهم بالقتال، ووعدهم النصر، فقال سبحانه: (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّـهِ)، وقال سبحانه: (هُوَ الَّذِي أرسل رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
وقليل من المسلمين الذي امتحن الله قلوبهم للتقوى، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الأرض أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الآخرة فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الآخرة إِلاَّ قَلِيلٌ).
إن التخاذل، والتثاقل، والاشتغال بالأموال، ومراكز الترفيه دأب المنافقين الذي كان لسان حالهم يقول: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أموالنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّـهِ شيئاً إِنْ أراد بِكُمْ ضَرًّا أَو أراد بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً).
فإهمال هذه الفريضة أَدَّى إلى تكالب الأمم على هذه الأُمَّــة حتى صارت عبثاً للناهبين، ومحل أطماع المتصهينين!
فأمر كهذا يجب أن يُدَاوَى قبل أن يعضل، ويُدَبر قبل أن يستفحلَ فيعجز مداويه أَو يصعب تداركه وتلافيه، فالفرصة الآن لأنصار الله وحزبه سانحة (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّـهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ).
التحية والتقدير والإكبار والتبجيل لأنصار الله وحزبه الذين رفعوا عَلَم الجِهاد ووقفوا للصهيونية اليهودية بالمرصاد، (وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أكثر النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).