بين ثورتَي سبتمبر رباطٌ وثيق
د. تقية فضائل
تعلقت الجماهير اليمنية بأهداف السادس والعشرين من سبتمبر ووجدت فيها وسيلة للتغيير والتطوير وحماية سيادة البلد وعزة الشعب ونهضته، ولكن للأسف فَــإنَّ ما حدث بعد نجاح الثورة واستتباب الأمور شيئاً ما خيب آمال الشعب؛ حَيثُ سيطرت القوى الخارجية من خلال أياديها في المنطقة من الأعراب على الثورة وكبلوها مستعينين بمن يدين لهم بالولاء ويقبض ثمناً لذلك أموالاً مدنسة بالعمالة والتبعية، وقتلوا كُـلّ شريف ينادي ويسعى لتنفيذ أهداف26 سبتمبر؛ فقتلوا الرئيس الحمدي سابقًا، وقتلوا السيد حسين بدر الدين لاحقاً، وغيرهما الكثير من الأحرار الذين تم القضاء عليهم بشتى الوسائل.
وقد نصبوا العملاء والخونة ممن ينفذون أجندة أعداء اليمن، وأصبحت أهداف الثورة مُجَـرّد حبر على ورق يردّدونها في المناسبات الوطنية ويتشدقون بها للتغطية على سوء إدارتهم للبلد وإيهام الشعب بأنهم حماة الثورة والجمهورية، وفي الواقع لا نجد أي أثر لها، ولن نبالغ بالقول إن ما يجري عكسها تماماً ولا يمثلها أَو يمت لها بصلة.
فلا جيش قوي يحمي سيادة البلد، بل جيش مقسم الولاءات لأفراد وأحزاب، ولا تعليم جيد يضمن التطور والنهضة، ولا صحة ولا تخطيط ولا تنمية ولا زراعة ولا تصنيع ولا اكتفاء ذاتي، بل سوق مفتوحة لمنتجات الدول الأُخرى، والشعب يعيش على القروض والمساعدات والصدقات والمنظمات المشبوهة، كُـلّ ذلك بدعوى أن اليمن بلد فقير ولا يوجد فيه موارد!!
عشرات السنين والشعب يعيش مهمشاً، محط سخرية شعوب العالم الأُخرى؛ فهو يعاني التخلف والتبعية والتجهيل والتجويع والأزمات الاقتصادية والسياسية وغيرها، ويجعله النظام الحاكم وسيلة لجني المعونات التي تذهب إلى جيوب رأس النظام وعائلته وحزبه ومن يساندهم في إخضاع الشعب.
وفي العام 2011 جاءت ثورة شبابية في الحادي عشر من فبراير لتطالب بقوة وبحماس منقطع النظير بضرورة تنفيذ أهداف 26 سبتمبر لتخرج اليمن من أزماتها المزمنة ومن ارتهان قرارها السياسي للخارج، وليعيش الشعب حراً عزيزاً مكتفياً بخيرات بلاده وثرواته المتنوعة والكثيرة، ولكن هذه الثورة الفتية لقيت مصير سابقتها وازدادت الأوضاع سوءاً، بدخول المعارضة من الإخوان في تقاسم السلطة مع النظام الحاكم، وأصبح أكبر همهم جميعاً التسابق على إرضاء العدوّ الخارجي المتحكم في شؤون اليمن لضمان بقائهم في السلطة ينهبون أموال الشعب وثرواته لصالح فئة محدّدة لا تدين بالولاء لليمن والشعب الذي ازدادت مآسيه وآلامه وأزماته.
والفساد الذي كان مستوراً إلى حَــدّ ما في أَيَّـام الحزب الحاكم أصبح مكشوفاً، فالسفير الأمريكي يحكم اليمن علناً وعلى مرأى ومسمع الجميع بعد أن كان يدير الأمور في السر، وخلاياه التجسسية والتخريبية تعيث في اليمن الفساد فلم تستثن أي مجال من المجالات إلا وجعلته وسيلة من وسائل الهيمنة على الشعب فكراً وثقافة وإضعافاً له اقتصاداً وسياسة وإفساداً لدينه وخلقه وجعله شعباً يرفل في الجهل والتخلف والفقر والتبعية وينشغل بأزماته المُستمرّة التي يخلقونها له، وهم يفعلون ما يروق لهم.
ولقد جاءت ثورة 21 من سبتمبر في هذه الأوضاع المعقدة متنفساً للشرفاء والأحرار من أبناء اليمن لإخراج اليمن من سيطرة وهيمنة الأمريكي البغيض، ومن أجل تحقيق أهداف 26 سبتمبر و11 فبراير بمنظور قرآني وتحت راية هدى الله.
وبالفعل استطاعت الثورة الفتية ذات الأعوام العشرة تحقيق أول هدف من أهداف 26 سبتمبر وهو استقلال اليمن وحريته واستعادة قراره السيادي والتخلص من هيمنة قوى الاستكبار التي فقدت قدرتها على السيطرة على اليمن؛ مما جعلها تشن عدواناً بقيادة النظامين العميلين السعوديّ والإماراتي على اليمن بتحالف 22 دولة أسمته التحالف العربي، وهناك الكثير من دول العالم وقفت في صف هذا التحالف بالدعم والتأييد وَالسكوت على جرائم العدوان ضد اليمن وشعبها.
ولم يكتفوا بذلك بل فرضوا حصاراً جائراً على الشعب وأغلقوا مطاراته وحرصوا على فصل الشمال عن الجنوب وتمزيق نسيج المجتمع اليمني وتدمير الاقتصاد وَالبنية التحتية وكلّ مقومات حياة الشعب.
وفي ظل هذا العدوان والحصار لم تضعف الثورة ولم تتنازل عن سيادة الوطن والشعب، بل ازدادت قوة ومناصرين، وكونت جيشًا قويًّا من أبناء البلد، واتجهت للتصنيع الحربي لحماية البلاد والشعب، وقد نجحت في ذلك بشهادة العالم بأسره، وقد دحرت التحالف بدوله وَجحافله وإمْكَانياته ومن يقفون وراءه من يهود ونصارى، وفوق هذا مدت يدها لإخوتنا المستضعفين في فلسطين بعد أن تخلى عنهم العالم وتركهم يلاقون مصيراً مأساويًّا على يد المجرمين من اليهود والنصارى، فارتفع علم اليمن عاليًا في كُـلّ أنحاء الأرض تقديراً لتصدي الجيش اليمني العظيم بقواته البحرية والجوية والبرية لجميع قوى الاستكبار في العالم وتلقينها دروساً لم تتعلمها من قبل على يد أحد من العالمين.
والآن وبعد الفشل العسكري لأعداء اليمن من اليهود والنصارى وأذنابهم في الخارج والداخل أمام ثورة 21 من سبتمبر يسعون لخلخلة الأمن داخل البلد من خلال عملائهم الذين يعزفون على وتر حب الشعب لثورة 26 سبتمبر وإيهام السذج والسطحيين بأنها في خطر، وأن هناك التفافاً عليها من قبل ثوار 21 سبتمبر، وكلّ هذا الكذب والتزييف على الرأي العام يهدفون من ورائه لإفشال ثورة 21 سبتمبر في التصدي للعدوان على البلد وَصرفها عن مساندة المستضعفين في غزة وخلخلة الجبهة الداخلية لخدمة أهداف ومخطّطات دول الاستكبار وأذنابهم.
وهنا سيقف أحرار الشعب ضد أي تحَرّك يريد المساس بالأمن والسلم الداخليين، ولن تأخذهم رأفة أَو رحمة بمن يريد إدخَال البلاد في أتون صراع داخلي لن يستفيد منه سوى أعداء اليمن وعملائهم الخونة، لتعود اليمن تحت هيمنتهم وظلمهم، وهذا لن يسمح به مطلقاً وإنما سيكون تحَرّكهم هذا وبالاً عليهم، وكما كان تحَرّك عفاش في 2 ديسمبر سبباً للخلاص منه ومن خيانته، سيكون الأمر كذلك بالنسبة لبقايا الخونة ممن تسول لهم أنفسهم اللعب بالنار والمساس بأمن الوطن والشعب ومقدراته.
عاش اليمن حراً أبيًّا، ولا نامت أعين الجبناء.