العدوان على لبنان
عبدالرحمن مراد
يبدو أن المعركة مع الكيان الصهيوني لن تقف عند حدود غزة، فالمخطّط وفق كُـلّ المعطيات والأخبار المتداولة تقول إن العدوّ الصهيوني يريد توسعة دائرة الصراع حتى تشمل لبنان وتاليًا سوريا ثم تبدأ المعركة لتأخذ مساراً جديدًا، فالحرب التي بدأت في السابع من أُكتوبر الماضي لم تكن كما يروج له الخطاب السياسي العالمي هو القضاء على الجماعات الإرهابية كما يزعمون، بل غايتها القضاء على حركات التحرّر في المنطقة العربية، وقد بدأت منذ بداية الألفية بنفس طويل وهي مُستمرّة، وهذه الحرب ضمن مشروع ما يسمى بالشرق الجديد الذي بدأت ملامحه الأولى في العقد الأول من الألفية ثم تغيرت المصطلحات وفق ضرورات المراحل ولكنه ظل ثابت التوجّـه والاستراتيجية.
فكرة اجتياح لبنان فكرة رائجة، ويعمل العدوّ الصهيوني عليها بكل جد وتفان، وتوسعة دائرة الخلافات العربية -العربية، والعربية -الإسلامية هي اليوم في أوج الاشتعال، ولن يكون العرب الذين آثروا التطبيع على المواجهة بمنأى عن فرض الهيمنة الصهيونية عليهم، فالمشروع غايته ودافعه ديني وثقافي وهو الوصول إلى حلم الصهاينة في تحقيق دولة “إسرائيل” الكبرى.
ثمة خبر متداول اليوم يقول إن “إسرائيل” تستعد عسكريًّا حَـاليًّا وقد تجتاح لبنان في أية لحظة فارقة، والهدف المعلن هو القضاء على حزب الله أَو إضعاف قدراته العسكرية، وقد يجد ذلك قبولاً عند الكثير من الأنظمة العربية، لكن مثل تلك الأنظمة قد لا تدرك الخطر المترتب على اجتياح لبنان اليوم، فـ “إسرائيل” تمارس سياسة الأرض المحروقة في لبنان كما مارست ذلك في غزة، وقد تحاول أن تفصل حزب الله عن الكتل السياسية التي أعلنت تضامنها معه، في مسعى إلى عزله ليكون وحيداً في المواجهة، وبالتالي تتفرد في محاولة إضعافه عسكريًّا، وشل قدراته وفاعليته في المشهد السياسي اللبناني.
الموضوع لا يشبه ما حدث في عام 2006م ولكنه يتجاوزه اليوم، فالحرب النفسية التي تواكب المعركة، والتكلفة البشرية الباهظة خلال أَيَّـام العدوان الماضية تقول إن الغاية هي مزدوجة من هذا العدوان، فهي تسعى إلى صرف النظر عن غزة وتحويلها إلى لبنان، وثانيها هي التمهيد لإطالة أمد الصراع حتى القضاء على حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين بشكل كلي غير قابل للتجزئة في ظل الضغوط الدولية على “إسرائيل” في إنهاء الصراع في غزة؛ بسَببِ آثاره التي تركها على الاقتصاد الدولي، وحركة التجارة العالمية بعد أن حملت اليمن على عاتقها مهمة نصرة غزة، ومنع حركة السفن في البحر الأحمر والعربي والمحيط الهندي.
لبنان اليوم يستهدف بعدوان غير أخلاقي، وعشوائي، وجنوني، هذا العدوان لا يمكن فصله عما حدث ويحدث في فلسطين، ولا في اليمن، فالسيناريو المنفذ كاد أن يكون واحدًا، والمعركة لا تخص لبنان وحدَه، فهي جزء من معركة كبرى تعد لها أمريكا والصهيونية العالمية، وغايتها كما سلف القول الوصول إلى دولة “إسرائيل” الكبرى، وهذا يعني أن المنطقة العربية قادمة على حركة اضطرابات، وحرب غير مسبوقة، ولكن تسير المعركة وفق جدول زمني محدّد سلفاً، فالقضاء على الجزء يمهد للسيطرة على الكل.
من يعبر عن فرحه اليوم بما يحدث في لبنان سيجد نفسه غداً عاضاً على أصابع الندم، فالعدوّ الصهيوني يعرف ماذا يريد؟ وكيف يصل إلى هدفه؟ أما العرب فهم في غفلتهم التاريخية إن لم تدركهم عناية الله للخروج من صمتهم وإعلان وجودهم ويتداعوا إلى تحرير فلسطين وتحرير القدس.
وعلينا أن ندرك أن سقوط لبنان يعني التمكين للمشروع الصهيوني في المنطقة، وهذا السيناريو بدأ عام 2006م لكنه فشل؛ لأَنَّه اشتغل على فكرة الشرق الجديد، فكانت حرب تموز عام 2006م هي المحطة التي أعادت المشروع إلى طاولة النقاش، فخرجت فكرة الإسلام المعتدل، وفكرة ثورات الربيع العربي، وفكرة الخلافة الإسلامية التي كان هدفها تفكيك النظام العام والطبيعي في البلدان العربية، وضرب التطبيقات الاجتماعية والثقافية في العمق، والاشتغال على تجزئة الهُــوِيَّة الثقافية، وتنمية الهُــوِيَّات العرقية، والجهوية، وقد نجحوا في ذلك في الكثير من البلدان، وهم اليوم ماضون في مشروعهم بالاستناد إلى النتائج التي طرأت على البعد الثقافي، والبعد الاجتماعي، وقد حاصروا محور المقاومة بالعداوات حتى أصبح وحيداً في المواجهة المباشرة مع العدوّ الصهيوني، والعدوّ يعلن على لسان رئيس وزراء الكيان أنه يعمل على تغيير ميزان القوى في المنطقة، وهو يستميت في بلوغ هذه الغاية؛ كون القوة التي أصابها طوفانها الأقصى في العمق، تريد أن تستعيد عافيتها؛ لأَنَّها معياره الوحيد في الوجود في المنطقة وفي فلسطين، وقد سبق لي القول في مقال سابق وهو قول تؤكّـده الوقائع في لبنان اليوم، حَيثُ ورد في سياق المقال:
“إن إسرائيل لا تحارب العرب والمسلمين بمنطق العلميات العسكرية ولكن تحارب بقوة المعرفة، والمعرفة سلاح غائب لا تستخدمه المقاومة الفلسطينية ولا جبهات الإسناد لمحور المقاومة إلا في حالات نادرة لا نظن إلا أنها توافق عفوي مع المعرفة وهذا أمر يفترض العناية به؛ فالعدوّ الإسرائيلي وفق الكثير من النصوص القرآنية ووفق السياق التاريخي العام لا يقاتل في الجبهات بقدر حرصه على خوض معاركه الوجودية من خلف جدر أَو من بروج مشيدة وهو ما يقوم به اليوم لكن وفق منطق العصر وتطورات التقنية الحديثة التي وصلت إليها الحضارة الإنسانية المعاصرة”.
فالسياق العام للعدوان على لبنان بدأ بسلاح المعرفة والتقنيات وقد وقف العالم مذهولاً من ذلك، كما أن العدوان اليوم يأتي في نفس السياق السابق له في منتصف العقد الأول من الألفية، فهل سيفشل المشروع الصهيوني كما فشل عام 2006م في حرب تموز؟ نأمل ذلك.