وقفةٌ في محراب السيد حسن نصر الله
سند الصيادي
وأنتَ تكتُبُ عن رحيل قامة وهامة مثلِ سماحة السيد حسن نصر الله وأمامَ محراب سيرته العظيمة، فَــإنَّك أمام تَحَــدٍّ عسير، وعليك أن تتحلى بالإيمَـان العالي وَتتخلَّى عن جزء كبير من مشاعر الحزن والوجع التي تعتريك جراء هذه الفاجعة، عليك أن تتأخر في قرار كتابة بيان النعي، وأن تحاول أوَّلًا أن تستوعب الحدث، أن تبدو قويًّا غير منساقٍ وراء العاطفة الإنسانية الجياشة، أن تمسح دمعتك وتدفن حزنك، وتتمالك نفسك، وتلملم شتاتك.
والحقيقة فَــإنَّ مثل السيد حسن نصر الله، وَوجع رحيله لا يتضاءل مع التقادم، هذا الاسم وصاحبه متجدد وَحي في خواطرنا، إن قلنا إننا سندفنُ الحزنَ ونمضي فَــإنَّما نمارس الكذبَ الواجِبَ في هذه المرحلة إغاظةً للخصوم واستنهاضًا للعزائم.
حُبُّنا له كيمنيين تحديدًا ومقاومين عُمُـومًا قد تجاوز كونَه قائدًا مجاهدًا عَلَمًا صانعًا للتاريخ، إلى تملكه لمشاعرنا كإنسان عايشناه في مراحلَ ومنعطفات عديدة، أشعرنا أنه يعيش بيننا وَجزءٌ من حياتنا، وفي مشهد العدوان على الشعب اليمني الذي انصهر فيه عاطفيًّا ووجدانيًّا وسلوكيًّا سيدُ شهداء هذا القرن، ما يدفعنا إلى أن نبكيَه وَنحيطَ روحَه الطاهرة بالدعاء في كُـلّ صلاة، وَبالوفاء في كُـلّ معترك وَمحفل.
في كُـلّ هذا الفيض من العاطفة، نتذكر أن الموت والنهاية حق، وأن أعظم منتهى هو الشهادة، وأن أشرف شهادة تلك التي تمضي على طريق القدس، تلك التي قطفها نصر الله، وتليق بحياته وَجهاده؛ لنقتدي به وهو يودع الشهداء تباعًا برباطة جأش، وكأنه يطل علينا الآن ليلقِّنَنا حقيقةً مفادُها أن كُـلّ انكسار نظهر به في هذه اللحظات العصيبة سيغضب روحَه الخالدة وَيشفي غليل أعدائه.
في بكائنا عليك يا سيد حسن إفراغٌ لأوجاع وتعبئةٌ لعزم واندفاع، قطعًا خسرناك بمعانٍ عدة للكلمة، لكنك من أُولئك الذين لا يتركون أهلهم أبداً، وأهلك سينتصرون حتماً معك، لا نرى في هذه الخسارة انحناءً، أَو في هذا الرحيل الذي أوجع الصخر أيَّ تراجع أَو انحسار؛.. بمعنى آخر هذا الرحيل لن يفت من عضدنا وعضد إخوانه من بعده، بل يمنح الجميع قوةً إلى قوتهم؛ ليواصلوا طريقَ المقاومة والجهاد حتى النصر، ونصرُنا نصرٌ وَاستشهادُنا قُربى من الله، ونصر الله.