في اليوم الـ9 من الحرب الصهيونية على لبنان: حزبُ الله يُفشِلُ خديعةَ الغزو البري الصهيوني لجنوبي لبنان ويتفوَّقُ ميدانياً

المسيرة | خاص

في اليوم الـ9 من الحرب المفتوحة على لبنانَ؛ حاول العدوُّ الصهيوني الاستفادةَ من الأجواء النفسية والمعنوية لإعلان استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله؛ لاستثمار عملياته التي شملت كُـلّ المناطق اللصيقة بالمقاومة، وانتهاء بإعلان مناورته البرية.

معركةٌ تخللتها مراحلُ تصعيديةٌ بين المقاومة الإسلامية في لبنان ومن ورائها كُـلّ المحور، وبين الحلف الصهيوني الأمريكي البريطاني؛ وهي معركة هجومية كاملة؛ بين تكنولوجيا السلاح الفائق الذي يديره التوحش والإجرام، وآلته الإعلامية النفسية، وبين إرادَة بيئة المقاومة في مقارعة استخدام السلاح الفائق، واستخدام قوة الإرادَة الفائقة والعزم المجبول بالصبر.

ومنذ تسعة أَيَّـام، بدأ العدوّ هذه المعركة مع مرحلة فرض “الانهيار الإدراكي” في “عقيدة الصدمة والترويع” الأمريكية، وتهدف إلى “إقناع المقاتلين والجمهور في الضاحية وكلّ لبنان بالقوة النارية الكبيرة وبأنه لا مَجالَ لكم إلا أن تستسلموا لكُتلةِ النيران الهائلة التي سُلِّطَت عليكم”؛ تمهيداً لنزع إرادَة القتال لدى المقاومة وبيئتها في المرحلة التالية عند بدء الحرب البرية.

 

موقفُ العدوّ الإسرائيلي وأهدافُه من المعركة:

خلال الـ9 الأيّام الماضية شَنَّ سلاحُ الجو الصهيوني آلاف الغارات مرتكِباً بشكلٍ سريع عشرات المجازر، وكان من الواضح أن هذه الحملة الجوية الشاملة؛ هدفت إلى ترويع المقاومة وبيئتها وجرها مرغمة إلى مرحلة “الانهيار الإدراكي” تمهيداً للقضاء على إرادَة القتال والمواجهة فيها لتحقيق أهداف كيان العدوّ الصهيوني الرئيسية، وهي بحسب تصريحات قاداته:

  • فرض “عودة لا مشروطة للمستوطنين اليهود إلى مستعمرات شمالي فلسطين المحتلّة” وفرض مقايضة لا متكافئة على المقاومة وجمهورها، تقبل بموجبه بالشرط الذي قاتلت 12 شهراً لمنعه.
  • فرض الفصل بين غزة وعمليات إسنادها التي تقوم به المقاومة منذ الـ 8 من أُكتوبر 2023م؛ لاستكمال استباحة غزة، والاستفراد بمقاومتها هناك.
  • استكمال خطة العدوّ بتوجيه ضربات موضعية وشاملة موجعة للمقاومة والتسبب بإضعافها لسنوات؛ لمنع ما يصرح عنه العدوّ “عدم تكرار نكبة للصهاينة مماثلة لنكبتهم في الـ7 من أُكتوبر”، وجاءت عملية اغتيال سماحة أمين عام حزب الله في هذا المجال.
  • تحقيق شرخ كبير بين المقاومة وبيئتها يمكن توسيعه لاحقاً إلى موقف تتخلى فيه معظم البيئة الحاضنة عن دعم المقاومة وتتحول إلى عبء عليها.

 

موقفُ المقاومة الإسلامية اللبنانية وبيئتها وجهوزيتها للمعركة:

على المستوى البنيوي الاجتماعي؛ تمكّنت المقاومة ومن ورائها بيئتها من الاستيعاب السريع للسلسلة المرتبطة والمتصاعدة لعمليات استهدافها، وخلال أسبوع من الشدة الذي اختتم باغتيال القائد الربان الذي ترتبط به المقاومة وبيئتها ارتباطاً شديداً، ظهرت عناصر كامنة تضاف إلى العناصر التي جرى صقلُها وتنشئتُها في عقودٍ أربعة من بنائها تحت النار ومن حضورها الكامل داخل المعركة.

أظهرت المقاومةُ وبيئتُها أن الجسمَ الذي سعى الأعداءُ عشرات السنين ليشقُّوه أنه أصبح رابطةً صُلبةً متكاملة اندمجت فيه البيئة بمقاومتها، وشخَّص الخبراءُ أن البيئةَ تسبق مقاومتها في صناعة مجتمع مقاوم خضع للاستفزاز والاستهداف ومحاولات العزل وخاض عدةَ معاركَ كبيرة بهذا الثبات الانفعالي والقناعة الحديدية بأن المقاومة وبيئتها أصبحا مدماكاً لا يمكن مَسُّه أَو تحطيمُه أَو القضاء عليه.

وعلى المستوى البنيوي التنظيمي للمقاومة فقد أظهرت وقائع تسعة أَيَّـام، أن الخبرة والتجربة التي صقلت بنيتها عُمُـومًا باتت دليلاً لا يقبل التأويل على النضوج والقدرة على مجابهة جميع أنواع الصعوبات والتجارب، كما أن المرونة التي باتت تتمتع بها هيكلية المقاومة أصبحت درعاً واقياً لها من الصدمات وهذا ما ينعكس على الجاهزية والاقتدار وتطوير الخطط ومواكبتها وتحسين المهارات والكفاءات الشامل من الرأس إلى الجسم.

 

الموقف العمليات والميداني للمقاومة:

ميدانيًّا؛ وعلى المستوى العملياتي فَــإنَّ الوضع الميداني العام الذي فرضه العدوّ الصهيوني على المقاومة تحول إلى حافز للإنجاز والإبداع في تطبيق الخطط التعبوية وخُصُوصاً تلك المتعلقة بخطط نار القوة الصاروخية التي تجاوزت جغرافية الأحزمة الثلاثة لتتوسع إلى حزامين إضافيين.

إذ إن الحزام الرابع، والممتد من خط “عتليت، العفولة، مرج بني عامر” شمالاً، وحتى خط “الخضيرة، حاريش”، بعمق 28 كيلومتراً، ويضم معظم مستوطنات الضفة الغربية المحتلّة والسهل الساحلي، بات وبعد 9 أَيَّـام من التصعيد في مرمى صواريخ المقاومة.

وهو كذلك الحال بالنسبة للحزام الخامس، الذي يضم معظم مدن وبلدات ومستوطنات “المركز، تل أبيب، غوش دان، ويمتد من جنوب “الخضيرة وحتى “بيت يام” و”حولون” بعمق 51.5 كيلومتراً.

وبحسب خبراء عسكريين، فقد استطاعت المقاومة الانتقال بمظلة صواريخها إلى المركز ومدن الوسط بعد انتزاع تفوق جوي في شمال فلسطين المحتلّة يكاد يغطي ضعفي المساحة التي استهدفتها طائرات العدوّ في لبنان، ووصلت إمْكَانية الإطباق الصاروخي للمقاومة لتغطي 65 % من إجمالي مساحة فلسطين المحتلّة.

وأكّـد الخبراء أن المقاومة طبَّقت في مساحة الإطباق الصاروخي والتفوق الجوي تلك مناورتها النارية في مناطق ثقل أَسَاسية في الكيان يمكنها إيلامه ككل وليس في المنطقة الشمالية، بالدمج بين الصواريخ البالستية المتوسطة الدقيقة وبين الصواريخ طويلة المدى كصاروخ فادي 3.

كما أن المقاومة افتتحت، صباح الثلاثاء، مرحلة الحرب المفتوحة من خلال توسيع مدى ودقة صواريخها إلى المركز والعمق الاستراتيجي للكيان، “تل أبيب”، وشكَّلت المرونة في استعمال عدة أنواع صواريخ لنفس المَدَيات علامة فارقة في استراتيجيتها، وذلك لعدم الإسراف بالمناورة النارية بالصواريخ الدقيقة وتوجيهها نحو الأهداف الأكثر حساسيةً واستراتيجية دون أن تفقد عنصرَ تكثيف الرمي لمديات طويلة من خلال استعمال صاروخ “فادي 4” الذي دخل الخدمة، قبل 15 ساعة.

وهذه المرونة في الاستخدام المزدوج للصواريخ، بحسب الخبراء، يسمح للمقاومة بإدامة القصف وتأثيره والاحتفاظ بالصواريخ الدقيقة الأثقل لمرحلة الحسم في المناورة النارية التي تنفذها، وقد عبر الخبراء عن جهلهم لما يمكن أن تخبئُه المقاومة من مفاجآت إلى جانب تلك الصواريخ التي يتراوح مداها من 150 كيلومترًا إلى ما يفوق الـ 400 كيلومتر، وهي المسافة التي تفصل الحدود اللبنانية الفلسطينية عن “أم الرشراش” المحتلّة “إيلات”.

 

حزبُ الله يُفشِلُ خَديعةَ الغزو البري الصهيوني لجنوب لبنان:

وفي خطةٍ مدروسة في الكواليس العسكرية والسياسية والإعلامية، عمل الإعلامُ الإسرائيليُّ والغربي، وبعضُ الإعلام العربي، طوال نهار الاثنين، وحتى الليل، على نقل تسريبات ومعلومات عن مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين، بأنّ “الغزو البري” لجنوب لبنان بات وشيكاً، وقد يحدث في غضون ساعات.

وتزامن ذلك مع الحديث عن استعدادات قام بها جيش الاحتلال بالفعل؛ مِن أجلِ البدء بالغزو، بحيث نقلت قناة “إن بي سي” الأمريكية عن مسؤول أمريكي، أنّ “إسرائيل بدأت بالفعل عمليات استطلاع ونشر مهندسين لتنفيذ مهام مثل اختراق الحواجز”.

كما تناقلت الوسائل الإعلامية أنباءً عن “انسحاب الجيش اللبناني من بعض النقاط على الحدود، وسط التوغل البري الإسرائيلي فجراً”، تمهيداً لهذا التوغّل.

وباتت الأنظار، داخليًّا وعالميًّا، كلّها ترتقب “الغزو الإسرائيلي” لجنوب لبنان، في حين لم يطُل الأمر حتى انكشف أنّ ما جرى هو جزءٌ من كمين إسرائيلي، شاركت فيه الوسائل الإعلامية؛ مِن أجلِ استدراج المقاومة وإيقاعها في كمين الظهور فوق السطح والأرض، وبالتالي انكشاف أمر المقاومين لأعين وأجهزة جيش الاحتلال، ومن ثم كشف مواقعهم.

في هذا السياق، لم تنجرّ المقاومة للكمين، وبدلاً عن ذلك، تركت الكلام للميدان، بحيث لم تصدر أية تصريحات في هذا الخصوص سوى البيانات العسكرية الروتينية، وسط كُـلّ الأنباء عن توغل برّي واشتباكات عنيفة تدور بين المقاومين وقوات الاحتلال، التي نفنها الكثير من المصادر الميدانية، كان حزب الله يستهدف التجمعات والتحشيدات والتحَرّكات العسكرية الإسرائيلية في الحافة الأمامية من الحدود، محقّقاً إصابات مباشرة.

وأعلن حزب الله في ساعات الليل المتأخرة، استهدافه تحَرّكات لجنود العدوّ الإسرائيلي في البساتين المقابلة لبلدتي‏ “العديسة” و”كفر كلا” بالأسلحة ‏المناسبة، كما استهدف تجمعاً لجنود الاحتلال في مستعمرة “يفتاح”، ومربض “الزاعورة” بصلية صاروخية، واستهدف قوة لجنود الاحتلال ‏عند بوابة مستوطنة “شتولا” بالقذائف المدفعية.

وبحسب مراقبين، فَــإنَّ فشل الاحتلال في استدراج مجاهدي المقاومة، لا يعني أنّه لن يقدم على مثل هذه الخطوة، خُصُوصاً مع نقل الثقل العسكري الإسرائيلي من الجنوب والشمال، ومع الإجماع العسكري والسياسي الداخلي على “ضرورة الاجتياح البري؛ مِن أجلِ تدمير قدرات المقاومة التي لا يمكن تدميرها عبر سلاح الجو، ومن أجل القيام بمنطقة عازلة في الجنوب”، من خلال احتلال الأراضي اللبنانية.

وبالتالي فَــإنَّ المقاومة جاهزة لكلّ الخيارات، وهي أعدّت العدّة لمعركة طويلة ومواجهة أي احتمال في حال دخل الاحتلال بريًّا، بحسب ما أكّـد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، الذي شدّد على “جهوزية المقاومين للالتحام مع العدو”، مع إشارته إلى أنّ “ما يقوم به الحزب هو الحد الأدنى كجزء من خطة متابعة المعركة، وبحسب التقديرات والخطط المرسومة وما يتطلبه الميدان”.

 

الموقفُ الميداني والانتشارُ العسكري الصهيوني الحالي في المنطقة الشمالية:

كما كان متوقعاً منذ بدء عمليته التي أسماها “سهام الشمال”، لم ينتظر العدوُّ انتهاءَ مناورة النار التي كان سلاح جوه يشنها بالنيابة عنه أكثر من أسبوع؛ حَيثُ بدأ مساء الاثنين، ينتقل إلى إجراء المناورة بالحركة والنار مفتتحاً بشكلٍ جزئي مناورته الهجومية تجاه لبنان.

وفقاً للمعطيات وبحسب السرديات الإعلامية العبرية، فَــإنَّ كيان الاحتلال الصهيوني قد حَـلّ “الفِرقة 146″، وصرف “الفرقة 98 كوماندوس” وأعاد العدوّ توزيع وتعديل ترتيب الألوية التابعة للفرق: “210 و36 و91” على هذا النحو:

 

الفرقة 210 الإقليمية:

وتنتشر في منطقة “الجولان” المحتلّ، كما ينتشر لواءين قتاليين منها لواء “هاهاريم” الإقليمي الذي جرى فيه دمج اللواء “الجبلي 810″، والذي جرى حله بعد رفع استعداده بتجنيد كتيبة ونصف جديدة في منطقة عملياته “شبعا وكفر شوبا”.

وتشير تقارير عبرية إلى أن “لواء 474 الإقليمي” ومنطقة عملياته من “الغجر” حتى “دير ميماس”، أما “لواء الاحتياط التاسع مشاة”، جرى نشره في مدينة “حيفا” ومحيطها لتأمينها.

 

الفرقة 36 المدرعة:

وتنتشر هذه الفرقة جنوبي غربي محمية “كمون” وقد انتزع “لواء غولاني” منها بعدما أصبح لواءً مستقلاً، ويتموضع ثلاثة ألوية من “الفرقة 36 المدرعة”، هي “لواء الكوماندوس 89 عوز”، وينتشر على ميمنة الفرقة قرب “شلالات بارود” جنوب شرقي “عين الأسد”، ومنطقة عملياته من “عيترون” مُرورًا بـ”يارون ورميش”.

أما انتشار “لواء 35 المظلي” فهو في قلب الفرقة في محيط مدينة “هاراشيم”، ومنطقة عملياته بين “رميش ورامية”، وحَـاليًّا يعمل كاحتياط قتالي للواءين “228 و300″، كما أن “اللواء السابع المدرع” ينتشرُ على ميسرة الفرقة شرقي مستعمرة “كيشور”، ومنطقة عملياته من “مروحين” حتى “الناقورة”.

 

الفِرقة 91 الإقليمية:

وفقاً لتقارير عبرية، تنتشر هذه الفرقة في “بيريا” فيما تتموضع ألويتها المقاتلة الثلاثة، ممثلة بـ”فوج استخبارات الجمع 869″، المعروف بـ “شاحاف” والذي اعيد نشره في “يسود هامعلاه”، و”لواء 769 الإقليمي” وينتشر في وسط الفرقة بين مستعمرات “المنارة وبيت هليل ومرغليوت”، ومنطقة مسؤوليته من “كفر كلا” حتى “بليدا”.

كما أن “اللواء 300 الإقليمي” المعروف بلواء “برعام”، ينتشر على ميسرة الفرقة بين مستعمرتَي “ميتات” و”نطوعة”، ومنطقة عملياته من “بليدا” حتى “عيتا الشعب”، وتتداخل منطقة عملياته مع منطقة عمليات اللواء “الكوماندوس 89″، إلى جانب انتشار عدد كبير من الألوية والكتائب المستقلة.

وعلى هذا النحو؛ يرى مراقبون، أن القرائن التكتيكية لم تظهر حتى الآن، أن الترتيب والاستعداد القتالي لجيش العدوّ الصهيوني يمكنه الشروع بمناورةٍ برية يتجاوز عمقها في الأراضي اللبنانية 5 كيلومترات، كما أن العمليات التي نفذتها المقاومة تكسف عن تطوير ملحوظ في قدراتها التكتيكية والقتالية، وتُشير إلى تأثيرها المتزايد على سير المعارك، وعن الحجم الضخم لترسانتها والذي لم تستخدمه بعد لأسباب تتعلق ببرنامج المقاومة وخططها للمعركة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com