الردُّ الإيراني يبدِّدُ الأحلامَ الصهيونية ويقضي على نشوة النصر الزائفة
محمود المغربي
بعد عملية (طُوفَان الأقصى) لاحظ الجميع تطور نوعي في أداء المقاومة الفلسطينية وبعد استراتيجي كبير، وكان لها أهداف وأبعاد ونتائج عديدة مباشرة وبعيدة المدى لا يمكن حصرها، ويمكن القول بأنها عملية مذهلة بكل تفاصيلها وجديدة أفقدت الكيان الصهيوني توازنه وجعلته يترنح وعلى وشك السقوط وأعادت إحياءَ القضية الفلسطينية وأيقظت الأحلام المدفونة في وعي كُـلّ عربي ومسلم بتحرير فلسطين وهزيمة العدوّ الصهيوني.
وأدرك الجميع أن خلف العملية شيء أكبر من حماس، وتوجّـهت الأنظار نحو محور المقاومة وإيران التي تبنت المقاومة الفلسطينية في السنوات الماضية وغيرت الكثير من فكر وطبيعة المقاومة وجعلت منها مقاومة منظمة وفاعلة وغير مخترقة، وهذا الأمر قد جعل إيران ولأول مرة تدخل إلى عقل وقلب المجتمع العربي وتكتسح الشارع الإسلامي وتقفز فوق كُـلّ الحواجز التي وضعها العدوّ وتكسر العزلة وحاجز الطائفية والمذهبية وتفرض نفسها في المنطقة كزعيمة للأُمَّـة.
وقد أدرك العدوّ هذا الأمر وخطورة النجاح الإيراني في كسر حاجز الطائفية والمذهبية وإفشال قرون من العمل لتفريق الأُمَّــة الإسلامية وتقسيمها بين سنة وشيعة وخلق خلافًا مذهبيًا وطائفيًا يجعل صراع وباس الأُمَّــة فيما بينها، بالإضافة إلى ما حقّقت العملية من نجاحات وإنجازات وأهداف من شأنها القضاء على النفوذ الأمريكي في المنطقة وخسارة البعبع الأمريكي في المنطقة الكيان الصهيوني، وقد توجب على أمريكا ومن معها التحَرّك العاجل وإصلاح الأمر ومعالجة تداعيات (طُوفَان الأقصى) بأي ثمن، ولو تطلب الأمر لحرب عالمية ثالثة، واستخدام كُـلّ ما لديها من قوة وبدأت واشنطن في وضع خطة واتِّخاذ إجراءات عسكريّة وسياسيّة وإعلامية بحيث يتم معاقبة أبناء غزة بشكل مفرط لإعادة هيبة الكيان الذي تلطخ بالتراب وجعل من أبناء غزة عبرة لمن يحاول المساس بأمن الكيان الصهيوني.
والأهم من ذلك القضاء على رمزية محور المقاومة، وجعل إيران تخسر كُـلّ ما حقّقت من مكاسب وعكس الصورة بتحويل الحب إلى كراهية والتشكيك بالموقف الإيراني، وجعل منها العدو الأول للأُمَّـة العربية والإسلامية عبر سلسلة من الإجراءات أهمها استغلال حرص إيران على عدم انزلاق الأمور نحو حرب شاملة والتزامها بمعركة النفس الطويل والصبر الاستراتيجي وعدم جر المنطقة إلى الهاوية.
وهكذا أعطت أمريكا الكيان الصهيوني الضوء الأخضر لتجاوز كافة الخطوط الحمراء وارتكاب أبشع المجازر وانتهاك كافة القوانين والأعراف الدولية وسيادة إيران وتنفيذ اغتيالات داخل إيران وخارجها لحشرها في الزاوية، وجعلها أمام خيارات صعبة ومحدودة منها اللعب بالنار على الطريقة الأمريكية، والرد على تلك التجاوزات والانزلاق إلى حرب شاملة ومواجهة مباشرة، أَو الصبر على تلك التجاوزات وإحراق نفسها وصورتها في عيون وقلوب جمهورها الكبير، الذي يفكر بقلبه وينظر للأمور بعفوية ويتوقع من إيران المستحيل والبطولات الخارقة ويطالبها باتِّخاذ مواقف مرتجلة وردود أفعال متشنجة وقرارات غير محسوبة، وبالفعل هذا ما حدث وذهب الكيان إلى تنفيذ الخطة بدعم غير محدود أمريكي وغربي وعربي وتوقع جمهور محور المقاومة أن يكون لدى إيران عصا سحرية وأخذ الجميع يتعجل الرد وزادت أمريكا والكيان من حجم الضغط، وتم اغتيال إسماعيل هنية داخل إيران لتصعيب الأمور على القيادة الإيرانية وجعلها أمام اختبار صعب، لكن القيادة الإيرانية التزمت بضبط النفس، وبما لديها من خطة واستراتيجية مع علمها بالنتائج السلبية لهذه الاستراتيجية وتأثيرها على نفسية جمهور المقاومة الذي يتأكل دون وعي إلا أن الغاية كانت أكبر.
ورفعت أمريكا من سقف الرهان وأخذت تضغط على الوجع منتشية بما تحقّق من مكاسب في خسارة إيران لذلك الجمهور وتم إعطاء الكيان الصهيوني مزيدًا من الدعم والأضواء للتوجّـه نحو جنوب لبنان وتوجيه الضربة القاضية لإيران ولمحور المقاومة كما اعتقدوا، واستخدام كافة الأوراق التي كان يحتفظ بها وارتكاب سلسلة من المجازر والاغتيالات والوصول إلى سيد المقاومة ورمز الصمود والتحدي الذي ذل الكيان الصهيوني لعقود من الزمن، وتوجّـه الكيان للاحتفال بشكل هستيري بما تحقّق من غدر وخيانة بنسف أحياء سكنية كاملة وتجاوز كُـلّ القوانين والأعراف وأخلاقيات الحرب، معتقدًا أن الأمر انتهى وذهب النتن ياهو إلى مخاطبة الجمهور الإيراني بفعل النشوة وكأنه هتلر بعد أن دمّـر باريس ولندن.
وفي خضم تلك النشوة تتدخل إيران لإيقاف الزمن ولتجعل نتن ياهو وحاكم البيت الأبيض يفقد تلك النشوة ويفوق من تلك السكرة وأمطرت الكيان بزخات من الصواريخ بددت الأحلام وأدخلت ثمانية ملايين إسرائيلي إلى الملاجئ وبثت فيهم الرعب والخوف في ليلة هي الأسوأ في تاريخ الكيان الصهيوني، وأمطرت قلوب أبناء غزة وجمهور المقاومة بغيث غسل ما فيها من حزن وشك وأنعشها بالأمل والتفاؤل وخلط الأوراق وجعل نتن ياهو يسقط من برجه العالي ويهوي إلى بئر سحيق من الخوف والارتباك وأعادت أمريكا والكيان إلى أرض الواقع لتقول لهم نحن هنا والمعركة لم تنته ولا يزال في جعبتنا الكثير من الأوراق والمفاجآت وما هذه إلا قرصة إذن.
وبإذن الله وبالتعاون مع دول المحور ورجال الله في اليمن الذين أذهلوا العالم وحقّقوا المعجزات هناك الكثير من المفاجآت التي تسر الصديق وتسوء العدوّ وسوف يكون لليمن ومحور المقاومة الكلمة الأخيرة في المنطقة.