الارتقاءُ إلى الشّهادة
زينب إبراهيم الديلمي
في ذاكرة الصّبر والاحتساب، تعتصر قلوبنا كمدًا عند سقوط القادة شهداء، الذي هو سقوط يعلو بخلوده أعظم الارتقاء في المقام الأعلى عند الله.
سقوطٌ يُرغّبنا أن نقع في ملكوته وروحيّته وسرمديّته، وفي هيامٍ مُفرط للقاء الله ولقاء الأنبياء والأولياء والشّهداء والصّديقين والصّالحين، أن نحدق بأهداب بصائرنا نضالاتهم وجهادهم، وبأسهم وحنانهم، وشدّتهم عند الخصوم، ورحمتهم عند الأنصار.
هي حالةٌ فطريّة، أنّ تتكهرب مشاعرنا بالصّدمة والبكاء، وتتوهَّج حرارة العاطفة عزاءً بفقدان أعظم قادةٍ عشقنا طريقهم وجهادهم ونبل أخلاقهم، وهذا ما عشناه بالتحديد فور سماعنا نبأ استشهاد سيّد الوفاء، وسماحة العشق، القائد الماجد، والأمين على أرواحنا ودمائنا، شهيد الإسلام والإنسانيّة، السيّد “حسن نصر الله” (رضوان الله عليه).
فقبل لحظات الخبر الفاجع، كان شبح القلق يطوف حولنا، كانت ليلة موحشة، ليلة مضطربة، ليلة جثم الضّيق على صدورنا، ليلة تشبه تمامًا ما حَـلّ بنا عند استشهاد الشّهيد الرئيس إبراهيم رئيسي والشهيد الوزير حسين أمير عبداللهيان ورفاقهما “سلام الله عليهم أجمعين”، كان الأمل بنفي خبر الاستشهاد هو حال كُـلّ مُتيَّم له، لكنّ مشيئة الله جرت غير ذلك.
لقد أحبّه الله، وتوجّـه ما كان يرجوه كَثيرًا في خلوات الدّعاء، بعد أنّ ودّعنا وداعًا غريبًا لم نفطن له، مُستبشرًا بقرب لقاء الأحبّة من سبقوه بالشهادة، عرج سماحة النّصر باكرًا بالنّسبة لنا، في الوقت الذي نحن بأشدّ الحاجة إليه، وإلى قيادته، وحكمته، وإلى أنّ نحقّق أمل الصّلاة في القدس بإمامته!
فهل حقًا لن نسمع ونشاهد بعد الآن خطابات القائد الأمين، هل حقًا لن نسمع صوته الذي يشفِ صدورنا الحَرّى؟ هل حقًا لن نجد من يُواسينا ويُهذِّبنا بمواعظ الأخلاق في ساعات ضيقنا؟
كيف ننسى “إن لم يكن الشّعب اليمني من العرب فمن العرب” كيف ننسى “لستم وحدكم، كلنا يمن” كيف ننسى “أنا لستُ وسيطًا، أنا طرف مع السيد عبدالملك الحوثي” كيف ننسى دموعه الغاليّة على اليمن، كيف ننسى وقوفه بجانبنا عندما كُنّا نُقصَف عدوانًا ونتضوّر حصارًا ووحدة؟
في مقام القلم الشّحيح، الممتلئ بدموع الحِداد، وغضب المِداد، لا يكفي أن ننوحَ بكاءً دون أنّ نُشمِّر زناد الثأر.. وسواعد الاقتصاص من كيانٍ سرطانيٍّ ملعون يظنّ أن استهدافه لقادتنا يعني لنا الهزيمة والانتكاسة، بل إنّ فعله القبيح يفتح على نفسه دركات جهنّم، ويُمهِّد آزفته لا محالة.
أمّا سماحة العشق فقد ترك فينا جرحًا غائرًا في قلوبنا، وفي ذات الوقت شدّة بأسٍ نتجلّد به في مصائبنا، نحمد الله أننا عشنا في زمانك، وشهدنا انتصاراتك، وبطولاتك الخالدة.. كنت لنا الأب، والمعلم، والقائد، والقُدوة الحسنة، كنت لنا النّهج، والحياة، كنت كُـلّ شيء…
وكما كنت تقول يا سيّدي أبا هادي: أعدكم بالنّصر دائمًا، يجيبك سيّدي أبا جبريل: نعدك بالنّصر مجدّدًا، ونحن نجيبك: نعدك بالنّصر ثباتًا، وتضحيةً، وعهدًا بالمضيّ لنهجك العظيم، نثق أنّ دماءك الطّاهرة هي المُمهِّدة لتحرير مقدّساتنا من رجس الصّهاينة، وكما قلت في كلمتك ووصيّتك الأخيرة: “قطعًا.. سننتصر”.