منذ 14 قرناً.. المواجهةُ بين الرسالة المحمدية واليهود تحتدمُ في جولتها الثانية
منصور البكالي
بدأت الجولة الأولى من المواجهة المباشرة بين الرسالة المحمدية واليهود منذ اليوم الأول للبعثة النبوية، بل كان اليهود يستعدون لها من قبل البعثة ذاتها، وكانوا يتحضرون لقتل رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، وسخنت المواجهة أكثر وأكثر بعد قدومه مهاجراً -عليه سلام الله- إلى المدينة المنورة، وخلال الأعوام الأولى من تأسيس الدولة الإسلامية، بدأت المعارك العسكرية بين جند الله تحت لواء محمد رسول الله، وجند الشيطان تحت لواء يهود خيبر وبنو قريظة.. وحينها انتصرت الرسالة المحمدية في مهدها الأول، وسطع نور فجرها على العالمين، وهزمت بوهجها كُـلّ الإمبراطوريات والقوى آنذاك.
وأول ما توفي رسول الله كان لليهود يد في حرف مسار تولي الأُمَّــة لمن أمر الله بولايتهم، وتطورت المواجهة عبر الأذرع الطلقاء، لمراحل في القرنين الأول والثاني من الرسالة المحمدية، حين كان اليهود في أسوأ مرحلة من الضعف والهزيمة الكبرى التي حلت بهم، ومرت الأُمَّــة بمراحل متقطعة يظهر في كُـلّ قرن من قرونها مجدد وعلم هداية هنا أَو هناك من آل البيت -عليهم السلام- ليحيي قواعد وأسس وركائز الرسالة السماوية، ويحافظ عليها، ويجد في ميدان المواجهة اليد اليهودية الحاقدة بألوان متعددة تتخذ من التخفي والتمويه لها أسلوب وقاية وخداع شيطاني لا نظير له.
وفي القرنين العشرين والواحد والعشرين، برزت المواجهة المباشرة في جولتها الثانية بين حملة الرسالة المحمدية بقيادة محور المقاومة الذي يقوده أعلام الهدى من آل بيت النبوة -عليهم السلام- وبين اليهود بشكل مباشر بقيادة الصهيونية العالمية ممثلة بالكيان الإسرائيلي ومن يقف خلفه من الأنظمة الغربية والعربية المسيطر عليها، على الأرض الفلسطينية في قطاع غزة وفي لبنان واليمن، منذ ما قبل وحدة ساحاتها.
في هذه الجولة تم فرز العالم إلى فريقين لا ثالث لهما فريق الحق وفريق الباطل، فريق يقف؛ مِن أجلِ مصالح ومخطّطات اليهود، وفريق يقف إلى جانب المجتمع البشري ومصالح الإنسانية.
ومن خلال معطيات المعركة المحتدمة حَـاليًّا وقدراتها ومقوماتها تعود الرسالة المحمدية التي تحمل مشروعاً عالمياً فيه رحمة الله وهدايته للعالمين، بقوة وجدارة، وتحقّق تحولات كبرى، قريبة إلى المعجزات، بذات النهج المحمدي الصافي في الجولة الأولى ليواجه الصهيونية العالمية بتشكيلاتها من اليهود والنصارى والمنافقين واللا دينين، وعبدة الأوثان وكل أشرار العالم المجندين تحت لواء الماسونية العالمية وأنظمتها العلمانية، التي تنشر الغواية ومشاريعها وتحارب كُـلّ أنواع التمسك والمحافظة بالقيم والنواميس المتناسبة مع الفطرة الإنسانية السوية.
أمام هذا الفرز الواضح لا تخرج التحالفات الموجودة على الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والفكرية عن هذا الصراع، وتظل كُـلّ التحليلات والتكهنات في أطر تفصيلية تبعد المتابع الحصيف عن مرتكزات الحقيقة وأسس الصراع الجاري في هذا العالم بين قوى الخير والشر.
وتظل القيم الإنسانية السليمة والفطرية التي تُجل من قيمة الكائن البشري وتعلي منه، وتحفظ له حقوقه ودمه وحريته، معياراً دقيقاً جِـدًّا ينزع الكثير من الأقنعة الزائفة عن الوجوه المدعية لها، وتظهر وحشيتها وغطرستها.
وبات الصراع المحتدم في المنطقة وخَاصَّة ما يرتكب بحق فلسطين ولبنان وسوريا مرتكزاً أَسَاسيًّا واضحًا، ويجعل كُـلّ الصراعات والبشاعات في مختلف القارات امتداداً طبيعياً لنفوذ وتوسع الهيمنة الصهيونية، منذ الحرب العالمية الأولى والثانية، عبر اليد الخفية التي تدمّـر كينونة الإنسانية والمجتمع البشري، وأفرطت في جرائم الحرب والإبادة بالأسلحة النووية والذرية وغيرها، وإهلاك الحرث والنسل، التي تعود لليهود الصهاينة واختراقاتهم للأنظمة والدول والقوى قبل تجمعهم إلى أرض الشعب الفلسطيني.
وهنا ندعو المفكرين والدعاة والكتاب والطبقة الواعية إلى استغلال وسائل الإعلام بتشكيلاتها المختلفة لتبيين وتوضيح الكثير من المفاهيم البنيوية وأسس الصراع الدائر على هذا الكون الفسيح، ووصف كُـلّ شيء بحقيقته السهلة والبسيطة، بعيدًا عن التشعبات، وكشف كيف يعتمد اليهود استراتيجية إخفاء الحقيقة وحجبها عن العالم، عبر مختلف المراحل، كسلاح فعال ومهم يفتك بالوعي وينشر الضلالة، ويقدم سرديات ذرائعية زائفة تشوه الرسالة الخاتمة وحامليها، وتحصرهم في زاوية ضيقة لا يمتد شعاع نورها إلى أبعد من مجتمعات القواسم المشتركة لغويًّا وجغرافيًّا.
وفي هذا السياق نؤكّـد للمعنيين بخوض معركة الإعلام أن المشروع القرآني في اليمن وإيران ومحور المقاومة، يقدم اليوم أنموذجاً فريداً، انتصر على السردية الصهيونية الماسونية، واستطاع تجاوز واختراق وهدم كُـلّ الحدود والحواجز البنيوية والجغرافية المفتعلة، ومثل سلاحاً فعالاً حطم أسوار وقلاع الدعاية البروباغندية، المسيطرة على الوعي العالمي، وجسد النموذج الحي والمقتدر على حفظ قيم ومبادئ الإنسانية ومعانيها السامية، وأعاد للمجتمع البشري حقوقه المختلفة، وحاز على ثقة وشغف وحب وتمسك وتطلع الكثير من الأحرار في هذا العالم، بقدر ما أعاد للرسالة المحمدية أهدافها وغاياتها الحقيقة، وأعاد ضبطها في سياقها ومسارها وإطارها السليم، مقدماً ثمناً باهظاً من قيادته الشهداء وأتباعه المخلصين، وأظهرها بحلتها وجمالها وجاذبيتها وكمالها وقوتها وأثرها وفاعليتها كما أنزلها الله على نبيه ورسوله، المهداة رحمة للعالمين في الجولة الأولى من الصراع.