السابع من أُكتوبر: يومُ الفصل
أحمد حامد*
* مدير مكتب رئاسة الجمهورية
السابع من أُكتوبر عنوان العزة والإرادَة، وذكرى طوفان الانتصار الكبير لرجال المقاومة الإسلامية، والأحرار في حركة حماس من كتائب القسام والفصائل التي شاركتهم هذا الموقف التاريخي الكبير، والحدث المزلزل لكيان الاحتلال الذي أعاد الاعتبارَ والأملَ لهذه الأُمَّــة، وحطّم كبرياء العدوّ الإسرائيلي، وأظهره على حقيقته ذليلاً جباناً مرعوباً خائفاً مرتبكاً، عاجزاً عن المواجهة في الميدان وعن حماية نفسه وكيانه الغاصب.
حَدَثٌ أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد، وأفشل مخطّط العدوّ الصهيوني وأذنابه الرامي إلى تضييعها ومحوها من الوجود ومن ذاكرة الأجيال؛ لتصبح بهذا الطوفان الحدث الأكبر والأهم والأبرز على مستوى العالم، الذي ظهر معه مستوى الصمود والثبات لدى المجاهدين في غزة وحاضنتهم المؤمنة الصابرة الواعية المضحية.
رغم التضحيات الكبيرة، والإجرام الصهيوني الكبير وحرب الإبادة التي يمارسها كيان الاحتلال المجرم، وحجم التدخل والدعم والمشاركة الأمريكية الكبيرة والواسعة منذ اليوم الأول تخطيطاً وتسليحاً ودعماً عسكريًّا وتدخلاً سياسيًّا وتبنياً شاملاً، استنفرت له أمريكا كُـلّ إمْكَاناتها، ودفعت بالرئيس الأمريكي وعدد كبير من وزرائه وقياداته العسكرية والسياسية وعلى رأسهم وزير الدفاع والخارجية والطواقم الاستشارية إلى زيارة عاجلة؛ لتدارك الوضع لدى كيان الاحتلال المنهار والمصدوم والمرعوب، والتي توالت واستمرت لتصبح منذ اليوم الأول حرباً أمريكية إسرائيلية غربية، وظهر معها الدعم والتأييد والمساندة لكل قوى الشر في العالم، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا ومن يدور في فلكهم من أعداء الأُمَّــة والمطبِّعين معهم.
*******
فكانت هذه المعركة وهذه الحربُ كاشفةً فاضحةً على المستوى الدولي والشخصي، وظهر معها حقيقة وجوهر الدول والحكومات والرجال والعناوين، فكشفت مستوى الإجرام والغطرسة لدى العدوّ الإسرائيلي، ومستوى الدعم والمساندة للعدو الأمريكي والغرب الكافر، وكشفت المستوى المتخاذل والمذل والمهين للعرب، الذين لم يحركوا ساكناً تجاه صرخات الأطفال والنساء وحرب الإبادة في غزة والحصار المطبق وحرب التجويع الذي يمارسه العدوّ على أهلها، بل أظهر ما هو أدهى وأمرُّ من الأنظمة العربية، التي وصلت إلى حَــدّ المشاركة والتواطؤ والمساندة للعدو الإسرائيلي، من خلال الدعم الإعلامي للعدو، وزرع اليأس في نفوس المجاهدين وأبناء الأُمَّــة، وإعطاء رسائل تطمين للعدو الإسرائيلي للاستمرار في جرائمه، من خلال مخرجات القمم الإسلامية الضعيفة والهزيلة والمشجعة للعدو الأمريكي والإسرائيلي.
بل وصل بهم الحال إلى إمدَاد العدوّ الإسرائيلي وكيانه الغاصب بالأغذية الطازجة، وفتح طرق برية من السعوديّة والإمارات مُرورًا بالأردن، في الوقت الذي يغلقون فيه المنافذ؛ منعاً لإدخَال المساعدات وإخراج الجرحى كما هو حال الدول المجاورة في مصر والأردن، مع هجوم إعلامي وتشويه كبير لجبهات الجهاد والمقاومة في لبنان واليمن وإيران والعراق، وتحريم وتجريم للمظاهرات، وحشد وتشجيع للحفلات الماجنة والراقصة، كما يعمل النظام السعوديّ وعلماء بلاطه، وكأن ما يجري في غزة حفلات عرس لا حرب إبادة جماعية بحق إخوانهم وأهلهم.
وعلى امتداد عام كامل من الإجرام الصهيوني والأمريكي لم تتخذ بعض الدول المطبعة أي خطوة حتى على مستوى إغلاق سفارات العدوّ ومقاطعته، بل ظلت سفاراتها مفتوحه محمية، واستمرت الزيارات واللقاءات بل والتبريكات والتهاني عند استهداف العدوّ الإسرائيلي لقائد عظيم كالسيد حسن نصر الله، في كشف واضح لمستوى العمالة والإسناد للعدو الإسرائيلي، وأصبح مطلب الأحرار من أبناء شعوب أمتنا لأنظمتهم أن يكفوا عن دعم كيان العدوّ الإسرائيلي، بعد أن كانوا يطالبونهم بالمساندة والتدخل واستخدام الأوراق الضاغطة –وما أكثرها- على كيان الاحتلال وعلى الأمريكي نفسه.
*******
وهكذا هو حال الدول الإسلامية وأمة المليار، خِذلان وصمت عجيب، فلم يعد تفاعلهم مثل شعوب بعض الدول الأُورُوبية، أَو الطلاب في الجامعات الأمريكية على الأقل، عدا بعض الأصوات الخجولة التي لا تقدم ولا تؤخّر، بل تظهر مستوى العجز والضعف أكثر.
لقد كشفت هذه المعركة الكثير من الحقائق والكثير من العناوين الكاذبة والمخادعة، فكشفت زيف الحرية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، وفضحت الديمقراطية التي لم تعد تتسع لصوت طالب رافض للحرب، ولا للاعب رياضي مندّد بهذا العدوان والصلف، ولا لكاتب منتقد لجرائم الإبادة، وهم يشاهدون المجازر اليومية بحق الأطفال والنساء والمواطنين جميعاً الذين يُستهدفون بالقنابل الأمريكية، حَيثُ لا حقوق للطفل بقيت، ولا كرامة للمرأة حفظت.
لقد تبخرت تلك العناوين أمام قصف الطائرات، وضاعت بين ملايين الأطنان من ركام المنازل المدمّـرة وأشلاء الأطفال والنساء المتناثرة.
*******
وكان لهذه المعركة الدور الكبير في إنهاء العناوين المذهبية والطائفية التي عمل الأعداء على إذكائها لقرون من الزمن، من خلال وحدة الساحات ووحدة الدم ووحدة المعركة والموقف، الذي سقط؛ مِن أجلِه قادة عظماء ورجال حملوا مشاعل الحرية والإباء.
كما فضحت المنافقين وأبواق الفتنة الدجالين والعملاء والخونة، الذين انبروا لتشويه جبهات الإسناد والرجال الصادقين مع إخوانهم في غزة، فتّاً في عضد المجاهدين وخدمة للعدو الإسرائيلي، الذين يردّدون كلماته وشائعاته، وكانوا صدى لإعلامه وأدَاة من أدواته الإعلامية الخبيثة والمضللة.
وكان لهذه المعركة الدور الكبير في إعاقة وفرملة حركة التطبيع مع العدوّ الصهيوني التي مهَّدوا لها كَثيراً، وفضح العملاء المطبعين والمستوى الكارثي الذي وصلوا إليه في عمالتهم وأثره الخطير على الأُمَّــة.
*******
وفي هذه المعركة ظهر دور اليمن قويًّا وفاعلاً ومؤثرًا ومفاجئاً ومربكاً لقوى الاستكبار العالمي، ومؤدِّباً لأمريكا وبريطانيا والعدوّ الصهيوني، ومسقطاً لهيبة أمريكا وقوتها البحرية، وفي مقدمتها حاملات الطائرات التي استهدفت مراراً واضطرت للهرب مع بارجاتها والقطع البحرية التابعة لها.
كما ظهر اليمن متميزاً من خلال استهدافه للسفن والأهداف المتحَرّكة في البحر الأحمر وخليج عدن والمتوسط والمحيط الهندي بالصواريخ البالستية كأول حدث في التاريخ العسكري على مستوى تاريخ الحروب، وهذا ما فاجأ الجميع وجعلهم في حالة من الذهول.
كما استهدف السفن المخالفة لقرار الحظر للدخول إلى كيان الاحتلال، واستهدف السفن الأمريكية والبريطانية التي اعتدت على اليمن؛ بسَببِ موقفه من غزة، والتي تحَرّكت إسناداً لليهود الصهاينة في العدوان وحرب الإبادة الجماعية على غزة.
لقد وجه (طوفان الأقصى) ضربة قاسية للعدو الإسرائيلي، وحال دون تصفية القضية الفلسطينية، وأعاد الروح الجهادية لأبناء الأُمَّــة كحل وحيد لعزة الأُمَّــة والحيلولة دون هيمنة أعدائها عليها، وأنهى أُسطورة الجيش الذي لا يُقهَرُ، فبدا خائفاً ذليلاً مقهوراً مرعوباً، وأظهر ضعف وعجز كيان الاحتلال رغم الدعم الأمريكي الكبير واللا محدود والمشاركة الفاعلة والمباشرة.
وأظهر عجزهم عن احتلال قطاع غزة الصغيرة والمحاصرة، واستعادة الأسرى طوال عام كامل من الإجرام، والذي لم يشهد له العالم مثيلاً، في الوقت الذي تسقط فيه دول كبرى في غضون أشهر وأيام.
لقد أعطى (طوفان الأقصى) الأمل بقرب تحقّق الوعد الإلهي في هزيمة اليهود وتحرير القدس وخسارة والمنافقين وصرنا أقرب إلى النصر من أي وقت مضى. والله غالب على أمره.