على طريق التحرير: 7 أُكتوبر علامة فارقة في تاريخ المقاومة
يمن محمد
عامٌ مضى منذ انطلق الطوفان الذي لا يزال مُستمرًّا حتى اليوم، ولن ينتهي إلا بعد أن يجرف الصهاينة ويطهّر الأرض العربية من رجسهم. لقد كان يوم 7 أُكتوبر 2023 تحولًا تاريخيًّا في مجرى الصراع العربي مع العدوّ الصهيوني، حَيثُ انطلقت جبهة المقاومة بموجة من الانتصارات والأعمال البطولية التي أزعجت أركان العدوّ وأفقدته توازنه.
ففي ساعات الصباح الأولى، كانت الأراضي المحتلّة على موعد مع نصر إلهي تتهلل له الأرض والسماء. فبفضل عدد معدود من الرجال المؤمنين الأبطال، استطاعوا، خلال ساعات قليلة، اقتحام الجدار الحاجز والسيطرة على عدد من المستوطنات، واقتحام عدد كبير من المواقع العسكرية الصهيونية؛ مما أسفر عن قتل وجرح وأسر آلاف منهم. كانت تلك المشاهد تأكيدًا على الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِئة يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ)، وهو ما تحقّق بالفعل، حَيثُ خاض عدد من الأبطال معركة عظيمة لم تحدث في تاريخ البشرية، وانتصرت فيها رغم قلة عددهم ومعداتهم.
لقد أبهجت تلك المشاهد قلوب ملياري مسلم، وأرعبت الأعداء، وأصابتهم بالجنون، ولم يستعيدوا وعيهم حتى اليوم. لقد جاء الطوفان في وقت كان يُراد فيه للأرض الفلسطينية ومقدسات المسلمين أن تُباع وتُنهى، وتُعلن عليها دولة للعصابات الصهيونية معترف بها دوليًّا وعربيًّا. فجاء الطوفان ليوقف إجراءاتهم ويحبط مخطّطاتهم، وأرسل الكثير من الرسائل للأُمَّـة الإسلامية وللعدو بأن هذه الأرض ليست لكم، ولا أمان لكم عليها، وأن هذا الجيش وهذه الدولة الإجرامية لن تُقام على أرضنا، ولن ترهبنا، وأنها ما تلبث أن تتهالك وتنتهي عند أول ضربة قوية توجّـه إليها، إن وجدت عزيمة وإرادَة ورجال مؤمنين صادقين.
أشعل الطوفان لهب الحرية والتحرّر من جديد، وأعاد الروح المقاومة في شعوب الأُمَّــة بعد أن تناسوا هذه القضية، وأصبح حلم التحرير صعب المنال. وفرز الطوفان الأُمَّــة بين مؤمن صريح ومنافقين، وكشف لشعوبنا ادِّعاءات المنافقين الذين أقاموا الحروب بين المسلمين بدعوى الحفاظ على الإسلام والعقيدة، ليظهر أنهم مُجَـرّد أدوات لمؤامرات صهيونية لتدمير الأُمَّــة وتفكيكها. فوحد الطوفان المؤمنين بجميع الطوائف يدًا واحدة وضربة واحدة على العدوّ. وما أجمل أن يكون اليمن أول من ساند وشارك إخوته في فلسطين رغم بُعد المسافة، فتوحّدت القلوب والأرواح ومزجت الدماء مع دمائهم. وقد ساند اليمن بقيادته، ممثلة بالسيد عبد الملك الحوثي وشعبة، المجاهدين في فلسطين، وما زال وسيبقى ثابتاً يدعم بكل ما أوتي من قوة هذه المعركة حتى النصر.
كانت الضربات والعمليات اليمنية مرعبة للعدو، مهينة لغطرسته، ومنكسة لكبريائه سواًء في عمق العدوّ أَو في البحار. لقد اتى الطوفان وأفقد العدوّ الأمان والثقة في بقائه، فخسر عسكريًّا واقتصاديًّا ونفسيًّا ووجوديًّا، وما زال يمضي سريعاً إلى النهاية والزوال.
واليوم، ونحن نعيش الذكرى الأولى لهذا الطوفان، هناك العديد من العمليات المتصلة به من جميع جبهات المقاومة. فبعد أن كانت “إسرائيل” ترتكب المجازر والجرائم بحق الفلسطينيين بلا رد، ها هي اليوم تتلقى الضربات الموجعة من كُـلّ اتّجاه. وهي اليوم تحترق وترتعب، ويترحّل سكانها المحتلّون بفضل الله.
ومهما ارتكبوا من مجازر وأُزهقت من أرواح وسُفكت دماء، وفقدنا قادة، فكل ذلك هو ثمن التحرير وهو المعتاد. فلن تتحرّر أرض بلا دماء، ولنا في الجزائر مثلٌ يُستشهد به، حَيثُ لم تتحرّر البلاد إلا بعد مليون شهيد. ونحن مهما فقدنا من شهداء، فبهم ننتصر، وما الشهادة إلا رحمة وفوز عظيم لكل من يناله، وجميعنا نسعى لهذه المنزلة العظيمة، على عكس اليهود الصهاينة الذين يحبون الحياة، وإن قُتلوا، فمصيرهم النار. كما قال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) لقد عَزّز الطوفان الروابط بين فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن، لتعمل جميعاً معًا في مواجهة الأعداء. وها هي العمليات ضد العدوّ تتصاعد؛ مما يشير إلى عام جديد يحمل في طياته طوفانًا من التحديات وبشائر الانتصارات.
إن هذه التطورات تمثل علامة فارقة في تاريخ المنطقة، وتؤكّـد على وحدة المقاومة وتصميمها على تحرير الأراضي الطاهرة من دنس الاحتلال. في ختام هذا المقال، نؤكّـد على أهميّة التكاتف والوعي بين شعوب الأُمَّــة الإسلامية، فالحرية تتطلب تضحيات، ولطالما كان التاريخ شاهدًا على انتصارات الشعوب التي لم تستسلم، بل واصلت النضال حتى تحقيق أحلامها. فلتكن دروس السابع من أُكتوبر دليلًا لجميع الأحرار، على أن وحدة الصف والعزيمة الصادقة هما السبيل نحو التحرير والنصر المؤزر.