هكذا انتصر الدمُ الفلسطيني على السيف
ياسر مربوع
منذ اتّفاقية أوسلو عام ١٩٩٣م وبعض الفلسطينيين عاكفون على وَهْمِ عملية سلام ستعيد لهم حسبَ مفهوم “حلّ الدولتين” جزءاً من أرضهم المحتلّة، لكن النتيجة كانت دائماً أزمة بعد أزمة، وحرباً من وراء حرب يخسر فيها الفلسطينيون مزيداً من الأرواح والأرض؛ إذ لا عهدَ لليهود ولا ذمة ولا سلام، وما من سبيلٍ لأخذ الحقوق ودفع الاحتلال وتحرير الأرض سوى القوة، والقوة فقط.
فالتنازل عن حق العودة إلى الأراضي المحتلّة، هو ما فتح شهية “إسرائيل” لابتلاع مزيدٍ من الأرض الفلسطينية، تحت غطاء الشرعية الدولية التي لا ترى في المقاومة؛ مِن أجلِ الأرض إلا إرهاباً محضاً، ولا ترى في “إسرائيل” الغاصبة لأرض الفلسطينيين إلّا ضحيةً تدافع عن نفسها، ولها الحق في تغييب الفلسطينيين عن أرضهم بالقتل أَو بالأسر أَو بالتهجير.
في الـ ٧ من أُكتوبر ٢٠٢٣م انتهى الفلسطينيون إلى حقيقة أن المنابر الدولية لا تعيدَ الأرض، وأن المقاومة وحدَها مَن تفعل ذلك؛ ووفقاً لهذا جاء “طوفان الأقصى” يحمل في بُعده السياسي إعادة وضع القضية الفلسطينية على طاولة المجتمع الدولي المُتناسين لها، وبعثرة مِلفات التطبيع مع العدوّ الصهيوني المطروحة على الطاولة العربية؛ ويحمل في بُعده العسكري ضربةً استباقية لمخطّطاتٍ كانت تتربص شراً بالمقاومة في القطاع، وتحطيم خرافة الجيش الذي لا يُقهر، وتبييض السجون الإسرائيلية التي يتكدس فيها الفلسطينيون الأبرياء، فضلاً عن كونه معركة في مسار تحرير الأرض المغصوبة منذ ٨ عقود.
وأما البعد الاستراتيجي والأهم فهو رسالة للمستوطنين اليهود الذين جاءت بهم “إسرائيل” لفيفاً من أصقاع العالم، أن هذه الأرض ليست آمنة، ويترتب عليهم حزم الحقائب والعودة من حَيثُ كان المجيء، ولا شيء يخشاه الكيان المحتلّ اليوم أكثر من خشيتهِ من الهجرة العكسية.
عامٌ كاملٌ، وغزة الجهاد والمقاومة ما زالت تسطر ملاحم الصمود والثبات في أكثر صفحات التاريخ إشراقاً، وتكتب بدماء شهدائها النهاية الحتمية لهذا الكيان النازي الذي يقتات على الدم والدمار، وهو اليوم آيلٌ للسقوط أكثر من أي وقتٍ مضى.
عامٌ طويل.. وجبهات الإسناد ما تزال فاعلةً من لبنان إلى اليمن والعراق يتشاطرون مع غزة همومها وآلامها ويشاطرونها المجد والعزة والكرامة، ويبذلون في هذا الطريق أرواحاً زكية لا يعزينا في فقدها إلا تحريرُ فلسطين كُـلّ فلسطين.
الصراع لا يزال محتدماً بين الحق والباطل (المدجَّج بالقوة) وسيرة الإنسان في كتب التاريخ كانت تقول دائماً: إن الحق هو من ينتصر في النهاية، وإن الأرض تعود لأهلها مهما أوغلت في غربتها.