اليومُ الـ11 من الحرب الصهيونية البرية على لبنان: المقاومة تطبِّقُ مبدأَ الدفاع الثابت والمتحَرّك والأعمال التعرُّضية

المسيرة | خاص

في اليوم الـ11 من إعلان جيش الاحتلال الصهيوني، بدءَ عملية عسكرية برية في لبنان، شهدت الجبهةُ اللبنانية الجنوبية تصعيدًا عسكريًّا ملحوظًا، ونفّذت المقاومة الإسلامية سلسلةً من العمليات الدفاعية الناجحة؛ رَدًّا على محاولات الاختراق المعادية للحدود.

وتشيرُ المعطياتُ الميدانية إلى بروزِ اختلالاتٍ كبيرة في مناورة العدوّ الهجومية، ويبدو أن تباطؤًا شديدًا أصاب الجهدَينِ الهجومَين الرئيسيَّينِ للعدو تجلَّى بتعديلات كبيرة في ترتيب واستعداد وانتشار العدوّ في المحورين الشرقي والأوسط، والتي يظهر فيها تجاوُزٌ للتوقيتات التي وضعها العدوُّ لبرنامج عمل مناورته الهجومية ككل على الجبهة اللبنانية.

في هذا التقرير؛ نحاول رسمَ تصوُّرٍ عامٍّ لمسار هذا التصعيد من خلال المتابعة اليومية للأحداث، ونقدم ملخصًا عن الـ48 الساعة الماضية، وفقًا لما تداوله إعلام المقاومة والإعلام الصهيوني، وبالعودة إلى تصريحات المستويَّينِ السياسي والعسكري.

 

الموقفُ العملياتي والميداني للمقاومة:

نفّذت المقاومة الإسلامية في لبنان خلال الساعات الـ 48 الماضية، أكثر من 40 عملية منها، 30 عملية قصف صاروخي، و7 عمليات استهداف مباشر يتمثّل بـ “اشتباك، عبوات ناسفة، طائرات مسيرة”، و3 عمليات قصف مدفعي”.

 

هجماتٌ صاروخية مكثّـفة:

يُعدّ القصفُ الصاروخي التكتيك الأكثر استخدامًا، حَيثُ استهدفت المقاومة مواقعَ عسكرية إسرائيلية، مستعمرات، وتجمعات جنود في مناطق متفرقة، أبرزها ظهر الجمعة، استهدافُ تجمعات لقوات العدوّ في منطقة “زوفولون” شمالي مدينة “حيفا” بصليةٍ صاروخية كبيرة.

كما أطلقت المقاومةُ الإسلامية وابلًا من الصواريخ على مستوطنات ومواقعَ عسكرية إسرائيلية شمالي فلسطين المحتلّة، مستهدفةً مواقع مثل “كريات شمونة”، “كفر جلعادي”، “صفد” وغيرها.

ويشير تكرار استخدام القصف الصاروخي إلى امتلاك المقاومة خطة للنار معتمدة على تكتيكات مناسبة للمناورة بالنار وعلى قدرات صاروخية ملحوظة، وبحسب مراقبين، لم تقتصر عمليات المقاومة على استهداف المواقع العسكرية، بل شملت أَيْـضًا مغتصباتٍ قريبةً من العمق؛ ما يشير إلى نيتها في التأثير على الرأي العام الداخلي للكيان.

ويرى خبراءُ أن التنوعَ الصاروخي تم استخدامه في كلتا المنطقتين، متوسطة المدى والقريبة، مع تركيز أكبر على شمال فلسطين المحتلّة، كما يدلل استهداف مواقع مثل “صفد وكرمئيل” على امتلاك المقاومة صواريخ ذات مدى متوسط، بينما كان استخدامها للقصف المدفعي، محدودًا مقارنةً باستخدام الصواريخ، ويرجح الخبراء أن ذلك لأسباب تكتيكية دفاعية.

 

استهدافُ الحدود ومحاولاتُ التسلل:

وفي الأثناء؛ اشتبكت قواتُ المقاومة مع قوات إسرائيلية عدةَ مرات في “الناقورة واللبونة” على الحدود، كما استهدفت محاولاتِ تسلُّلٍ إلى بلدة “بليدا” ومناطقَ أُخرى على الحدود، كما أظهرت المقاومةُ قُدرةً على إصابة أهداف داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة؛ ما يُظهر تطوُّرَ ترسانتها، وتفوق مقاتليها ميدانيًّا من ناحية أُخرى.

وعن أبرز تكتيكات المجاهدون جنوبي لبنان، لاحظ مراقبون استخدامَ العبوات الناسفة، حَيثُ تم تفجيرُ عبوة ناسفة بجنود إسرائيليين أثناء محاولتهم التسلل، كما اشتبكوا مع جنود إسرائيليين في بلدة “بليدا” وفي “ميس الجبل”.

وبحسب خبراءَ عسكريين، تميزت هذه العملياتُ باستخدام عنصر المُفاجأة، كما يؤكّـد تركيزُ المقاومة على منع سحب الإصابات، واستهداف قوات العدوّ أثناء ذلك على رغبتها في زيادة الخسائر وإعاقة حركة العدوّ.

 

استخدامُ تكتيكات متنوعة:

إلى جانب القصف الصاروخي، استخدمت المقاومة تكتيكاتٍ أُخرى، مثل العبوات الناسفة، الطائرات المسيَّرة “محلِّقات انقضاضية”، والكمائن والصواريخ الموجهة ضد دبابات وآليات إسرائيلية.

وتم استخدامُ “محلقة انقضاضية” لاستهداف قوة إسرائيلية في “رأس الناقورة”، وتم تدميرُ أكثَرَ من دبابة بصواريخَ موجَّهة فيها، كما قام المجاهدون باستهداف القوات الإسرائيلية أربعَ مرات على الأقل أثناء محاولتها سحْبَ إصاباتها من المنطقة ذاتها.

ويبدو أن المقاومة استغلت عُنصرَ المفاجأة في بعض العمليات؛ ما ساهم في إرباك العدوّ، كما أنها استخدمت مجموعةً متنوعةً من التكتيكات، بدءًا من القصف الصاروخي إلى الاشتباكات المباشرة، وهذا -بحسب الخبراء- يدل على مرونة المقاومة وتكيُّفِ مجاهديها مع مختلف الظروف.

 

إدارةُ الجبهة الإعلامية:

ونظرًا لتفوق المقاومة في الإدارة الإعلامية للمواجهة، يحاول العدوّ عبر وسائل إعلامه أَو تلك المرتبطة به من نشر أخبار ومعلومات مُضللة؛ بهَدفِ التأثير على المقاومة وحاضنتها الشعبيّة.

حيث نشرت وكالةُ “رويترز” تقريرًا عما أسمته بالقيادة الجديدة للحرب البرية في ‏حزب الله وعن تفاصيل متعلقة بطبيعة ‏هذه الحرب وخططها وأسلحتها.

في السياق؛ فنّد بيانٌ صادر عن العلاقات الإعلامية في حزب الله بالقول:‏ إن “‏هذا التقرير هو محضُ خيال كتّاب رويترز وصحافييها ومستشاريها الأمنيين ‌‏ليس إلا”.

وأكّـد البيان أن “ما نسبته إلى قائد ميداني في حزب الله عارٍ عن الصحة ‏جملة وتفصيلًا، وأن سياستنا ‏كما بات معلومًا وقد يكون من الضروري ‏التأكيد عليه مجدّدًا، وأنه لا توجد مصادرُ في حزب الله، فضلًا عن ‏مصدر ‏قائد ميداني يقدم مثل هذه المعلومات الخطيرة المنسوبة إليه”.

 

الموقف العملياتي والانتشار للعدو بعد 11 يومًا من المناورة:

وفقًا لتقاريرَ إعلامية متنوعة، فما جرى خلال الساعات الـ٢٤ الماضية، يؤكّـد أن المشكلةَ العملياتية الحرجة التي تعاني منها فرقتا العدوّ (98 و36) في محورَي “كفر كلا” و”بنت جبيل”، وتمكُّن تكتيكات المقاومة من كبحِ معظم الجهود الهجومية الرئيسية، رغم أن العدوَّ غيّر تكتيكه قبل 48 ساعة، عبر توسيعِ المحاور التي يناورُ فيها بقواته وأدخل بلدات جديدة متاخمة لمحاور الجهود الرئيسية في مناوراته الهجومية.

في الجبهة الشرقية وسَّع العدوّ الصهيوني محاورَ اشتباكه إلى أطراف “مرجعيون الغربية وميس الجبل” موسِّعًا الجبهة كيلومترين إضافيين، أما في الجبهة الوسطى فقد وسّع محاور اشتباكه أكثر من 3.5 كيلومتر مدخلًا “بليدا ورميش” ضمن نطاق هجومه، وهذا يعني فشل الخطة المعدة للعمل، حَيثُ إن عملياتِ الاستطلاع بالقوة تستلزم أساليبَ تقرُّبٍ مختلفة من مناطق الخصم.

في السياق، كشفت تقاريرُ عن قيام ما يسمى قيادة المنطقة الشمالية للعدو بإجراء نقل عاجل لـ ٩٠٪ من استعداد “الفرقة ٩١” من الجبهة الغربية إلى محور وسطي بين الفرقتَين “٣٦ و٩٨” وأصبحت منطقة مسؤوليتها تمتدُّ من أطراف “العديسة الغربية إلى بليدا”.

خلال إنجاز عملية النقل، قام تشكيل من “اللواء ٣٠٠ برعام” المتبقي من الفرقة في الجبهة الغربية مع كتيبة من “اللواء المدرع ٢٠٥” التابع للفرقة “١٤٦” بمحاولة تقدم باتّجاه “اللبونة” صباحًا؛ للإيحاء المقاومة بوجود نشاط كبير وشيك في الجبهة الغربية.

ومع تقدم عملية نقل “الفرقة ٩١” إلى مكان انتشارها الجديد، شن سلاح الجو الصهيوني عشرات الغارات على المنطقة الممتدة من “اللبونة إلى الناقورة” ثم أعلنها ناطقُ العدوّ الواجهةَ البحرية منطقة عمليات ضد حزب الله، حَــدّ تعبيره.

وفور إنجاز معظم عمليات نقل “الفرقة 91” استكملت عملية الخداع الكبيرة بإعلان ٥ مستعمرات مناطق عسكرية، هي “شلومي- أدميت- حانيتا – روش هانيكرا – ايلون” وجميع هذه المغتصبات متاخمة للمنطقة بين “علما الشعب واللبونة والناقورة”.

هذه الخُدعَةُ استكملت بقيام اللواءَينِ المدرعين “الرابع والـ ٢٠٥ التابعين للفرقة 146″، بعملية توغل صغيرة لا تتعدَّى الـ2 كم، من “اللبونة فالناقورة” ولا تتجاوز الـ5 كيلومترات من مغتصبة “أدميت إلى علما الشعب ثم الناقورة”، والتي كان مجاهدو المقاومة لهم بالمرصاد.

في المقابل، وبحسب تقارير عبرية، بات ينتشر من نقطة “سهل الخيام إلى رميش” نحو “٣ فرق عسكرية صهيونية بطول 40 كيلومترًا، هي: “الفرقة ٣٦” في الغرب مقابل محور “بنت جبيل من عديسة إلى رميش”، و”الفرقة ٩١” في الوسط بين غربي “العديسة وبليدا”، و”الفرقة ٩٨ في الشرق وتمتد من سهل الخيام كفر كلا إلى العديسة”.

 

خلافاتٌ حادَّةٌ على خلفية رفض الجنود الصهاينة الخدمة في الجيش وهروب آخرين من المواقع:

أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، الجمعة، بأنّ جلسةَ المجلس الوزاري المصغر “الكابينت” شهدت خلافاتٍ حادةً بين أعضائه، وكشفت أنّ الخلافات نشبت على خلفية رفض عشرات الجنود الإسرائيليين الخدمةَ في الجيش، من دون العمل على إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزّة.

ونقلت عن وزيرة المواصلات الصهيونية، “ميري ريغيف” القول خلال الجلسة: “لا مكان في الجيش لرافضي الخدمة”، مضيفةً أنّه “يجب على الجيش ممثلًا، بـ”غالانت” تنفيذ قرارات المستوى السياسي، وكل من يرفض أمرًا يجب أن يبقى قيد الاعتقال“.

تأتي الخلافاتُ في وقتٍ نقلت فيه منصة إعلامية إسرائيلية عن مسعفٍ في طواقم الإسعاف والإخلاء في المنطقة الشمالية لجيش الاحتلال القول: إننا “نواجه معضلةً حقيقية بعد وصولنا إلى أماكنَ يتواجد فيها جنود مصابون، تتمثل بإصرار أكثر من خمسة أفراد من زملاء المصاب على مرافقته والصعود معه، بل ويمكثون معه، أَو يتسربون إلى منازلهم؛ ما يعني تركَهم المواقعَ وإخلاءَها“.

في السياق، أكّـدت تقارير عبرية أن “إصرار الجنود على مرافقة زملائهم المصابين قد يكون نابعًا من خوفهم من العودة إلى الخطوط الأمامية، وخُصُوصًا بعد رؤية زملائهم يصابون؛ مما يدفعهم للبحث عن أية ذريعة للبقاء بعيدًا عن الخطوط الأمامية“.

ورجَّحت أن التعرُّضَ المُستمرَّ للخوف عند خط المواجهة مع مقاتلي حزب الله يمكن أن يؤدِّيَ إلى إجهاد نفسي كبير؛ ما يجعلُ الجنودَ يبحثون عن أية فُرصة للابتعاد عن هذه المناطق، وتشير تقارير إلى أن بعض الجنود لجأوا إلى إيذاء أنفسهم في مناطق غير قاتلة كوسيلةٍ للهروب من أهوال الحرب والضغوط النفسية المرتبطة بها.

واعترف جيش الاحتلال الصهيوني بمصرع 32 من جنوده في مختلف جبهات القتال منذ بداية أُكتوبر الجاري.

 

نظرةٌ تقييميةٌ للوضع الحالي على الجبهة اللبنانية:

وفي تقييمٍ عام؛ لفت خبراءُ عسكريون إلى وجودِ اختلال في خطة كيان العدوّ الإسرائيلي؛ إذ إن هجومَه يواجهُ صعوباتٍ وتأخيرًا عن الجدول الزمني المخطّط له؛ وذلك لنجاح تكتيكات المقاومة في إبطاء هذا التقدم وإجباره على تغيير خططه باستمرار.

كما أن العدوَّ الإسرائيليَّ قام بتوسيع نطاق هجومه؛ ما يشير إلى صعوبة في اختراق خطوط المقاومة، فنقل “الفرقة 91” يشير إلى قلقٍ إسرائيلي من هجومٍ مضادٍّ محتمَلٍ، بعد محاولته استخدام عمليات الخداع لتضليل المقاومة، وبحسب الخبراء فهذا التوسيع فشل في اختراق خطوط المقاومة بالشكل المتوقع.

وفيما نجحت المقاومة في استغلال طبيعة الأرض واختيار ساحة المعركة لصالحها، يرجِّح مراقبون أن تستمرَّ المقاومةُ في استخدام تكتيكات الكر والفر وشن هجمات مُفاجئةٍ وحاسمة ومؤلمة للعدو، ربما تطورت إلى شن هجماتٍ برية معاكسة في أية لحظة.

وعليه؛ فالمقاومة الإسلامية في لبنان تُدير التصعيدَ بشكلٍ مُحسوب رغم شدته وضراوته، مع التركيز على استهداف مواقعَ عسكرية ومستوطنات، في ظل تطبيق مبدأ الدفاع الثابت والمتحَرّك والأعمال التعرضية، ويبقى من المبكّر التنبؤ بتطورات الموقف، حَيثُ يعتمد مسار الأحداث على ردود فعل كيان العدوّ الصهيوني والموقف الدولي.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com