لبنان في مواجهة الكيان الصهيوني
د. فؤاد عبدالوهَّـاب الشامي
ليست المعركةُ الحاليةُ بين لبنانَ والكيان الصهيوني هي الأولى، ولكن المعركة بين الطرفَينِ مُستمرّةٌ منذ تم غرسُ هذا الكيان في الأراضي العربية الفلسطينية؛ بسَببِ الأطماع الصهيونية في الأراضي اللبنانية، وكان الكيان الصهيوني يجدُ لنفسه المبرّرَ كُـلَّما أراد تنفيذَ عمليات عسكرية داخل الأراضي اللبنانية، وقد تعرضت لبنانُ للتهديد العسكري خلال الحروب العربية الصهيونية منذ أول معركة عام 1948م حتى آخر معركة عام 1973م؛ ونظرًا لعدم قدرة الجيش اللبناني على مواجهة الجيش الصهيوني فقد كانت الأراضي اللبنانيةُ تتعرَّضُ للانتهاكات الصهيونية، ولا يتم رفعُ تلك الانتهاكات إلَّا بتسوية مجحفةٍ بحقِّ لبنان.
وفي سبعينيات القرن الماضي، انتقلت الفصائلُ الفلسطينية للعمل ضد الكيان الصهيوني من الأراضي اللبنانية، فتسبب ذلك في قلقِ العدوّ وجعل من ذلك مبرّرًا لاجتياح جنوبي لبنان عام 1982م، وتمكّن من الوصول إلى العاصمة بيروت خلال أَيَّـام بمساعدةٍ من بعض الخونة، ولم ينسحب الجيشُ الصهيوني من بيروت إلَّا بعد أن فرَضَ تسويةً تم بمواجبها خروجُ الفصائل الفلسطينية المسلحة من لبنان وتم توزيعهم على عدة عواصمَ عربية بعيدة عن حدود الأراضي المحتلّة، ومع ذلك لم ينسحب الصهاينةُ من كافة الأراضي اللبنانية واستمر في احتلالِ أجزاء من أراضي الجنوب، وكان ذلك يعتبر استضعافًا للدولة اللبنانية التي كانت تعيشُ حالةَ حرب اهلية ولا تملك جيشًا مؤهَّلًا لتحرير أراضيها.
ولكن حدث ما لم يكن يتوقَّعُه العدوّ، حَيثُ أفرزت تلك الظروف مقاومةً إسلامية وطنية (حزب الله) أعلنت الجهادَ ضد المحتلّ الصهيوني؛ فبعد أن استقر المحتلُّ في الجنوب نَفَّذَت المقاومة عمليات دامية وموجعة ضد المحتلّ وعملائه، نجحت خلالها في تكبيد العدوّ خسائرَ فادحةً دفعته إلى الخروج من الأراضي اللبنانية يَجُرُّ أذيالَ الخيبة بعد أن شعر بالهزيمة المرة، وكانت هذه أول مرة يخرُجُ العدوُّ من مكان يحتلُّه دون اتّفاق يكون له فيه اليد العليا، وفي عام 2006م اختطفت المقاومةُ عددًا من الجنود الصهاينة لتتم مبادلتهم بأسرى لبنانيين؛ فسارع العدوّ إلى الدخول إلى لبنانَ ولكن واجهته المقاومة بقوة؛ مما دفعه إلى الانسحاب من الأماكن التي كان قد دخلها.
واليوم ما يجري في لبنان بين المقاومة الإسلامية والكيان الصهيوني يأتي قي إطار المحاولاتِ الصهيونية لإخضاع الدول المجاورة لإرادته، ولكن استعدادات المقاومة وقدراتها سوف تساعدُها في تحقيق النصر المؤكَّـد على العدوّ، خَاصَّةً في ظل وجود محور المقاومة؛ لأَنَّ زمنَ الهزائم قد ولَّى.