هو سبحانَه من يجبُ أن نخافَه
بشرى المؤيد
الخوف لدى الإنسان فطرة طبيعية في الإنسان ومن ضمن الصفات التي يتصف بها الإنسان في حياته، قد يكون الخوف مثلًا من الوقوف في المرتفعات الجبلية، أَو الخوف من رؤية حيوانات معينة أَو زواحف أَو حشرات، أَو الخوف من الفقدان، أَو الخوف من القيام بأعمال جديدة، الخوف من قول كلمة حق في وجه سلطان جائر، الخوف من تغيير وظيفة وانتقال إلى وظيفة أُخرى.
وهكذا تتعدد مجالات الخوف وكلٌّ له أسبابه وَمسبباته التي أَدَّت إلى عقدة الخوف في نفس الإنسان.
نأتي مثلًا إلى ضرب مثال من القرآن الكريم عن الخوف سيدنا موسى “عليه السلام” عندما ذهب للوادي ليجلب نارًا لأهله وفي يده عصاه سمع صوتًا من السماء يحدثه ويقول له: ما تلك العصا التي في يدك يا موسى. قال: إنها عصا لأتكئ عليها وَأهش بها غنمي. فلما تحولت بقدرة الله إلى حية كبيرة فر خائفًا منها لكن حين طمأنه الله وقال له: لا تخف اطمأنَّ قلبه (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ، قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخرىٰ، قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ، فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ، قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ…).
والخوف الآخر الذي كان يتملك سيدنا موسى “عليه السلام” حين أمره أن يذهب إلى فرعون وَيواجهه وينصحه أن يتقي الله في شعبه وألَّا يكونَ من الظالمين (وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، قَوْمَ فِرْعَوْنَ، أَلَا يَتَّقُونَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ، وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأرسل إِلَىٰ هَارُونَ، وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ). فطمأن قلبه وشدّد عضده بأخيه هارون. (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي).
إذن فالخوف ليس عيبًا فهو موجودة في فطرة الإنسان، لكن إذَا كان الخوف سيمنعك من قول كلمة حق، من إقامة عدل، من جلب حقوق للناس، من دفاع عن النفس إذَا كنت مظلومًا؛ فهنا يجب أن تستعين بالله وتدعوَه ليقوي قلبك ويجعلك شجاعًا مقدامًا حتى تتغلب على هذه الصفة وتكون -فردًا أَو جماعاتٍ- ممن يقيمون الحق في أرض الله؛ فلا يخاف الإنسان إلا من الله “عز وجل” هو من يستحق أن نخافه؛ لأَنَّه هو مالك الملك من بيده كُـلّ شيء.
عندما يكون إحساس الإنسان وشعوره صحيحًا يجب أن يعبّر عنه؛ فلا يخاف الإنسان من قمع سلطان جائر؛ لأَنَّ هذا السلطان أمره بيد الله لن يستطيع أن يعمل شيئًا؛ لأَنَّ ملك الملوك مع ذلك الإنسان يحميه ويرحمه ويكون معه أينما كان إنَّ اللَّهَ قالَ في حديثه القدسي: “مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَردّدتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَردّدي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ”.
فلا تكميمَ للأفواه والله سبحانه هو الذي خلق للإنسان لسانًا وشفتين “أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) ليعبر بهما لا لتكميمهما فالناس هم:
▪︎ أحرار بمشاعرهم وأحاسيسهم فهي ليست ملك لأحد إلا لأنفسهم.
▪︎ أحرار في أن يعبّروا ويقولوا رأيهم إذَا لم تصل حقوقهم كاملةً في جميع مجالات حياتهم التي أحقها الله “سبحانه” لعباده وهم كشعوب يقولون ويعبّرون بما يريدون ويحتاجون ويتحدثون بأنه لا يوجد عدل في توزيع ثروات الحياة بما يريد الله؛ لأَنَّ الأرض وما تحويها جعلها الله للناس كافةً.
▪︎ أحرار في اختيار ما يناسبهم ويناسب بيئتهم وَليس بالضرورة تقليد ما لا يناسب فكرهم وحياتهم وتقاليدهم وعاداتهم الإيجابية وليست السلبية.
▪︎ جعلهم الله أحرارًا مستقلين بذواتهم، وحياتهم، وبلدانهم، وشعوبهم لم يخلقهم الله أن يكونوا عبيد لأحد إلا له سبحانه ينذلون، ويخضعون وينكسرون؛ أما لا سواه فلا.
▪︎ الله هو حبيبهم وأقرب إليهم من حبل الوريد فلذلك عندما يعبرون بما يشعرون أَو يحسون لا يخافون إلا منه “هو سبحانه”
حينها يكونون أعزاءً لهم كرامتهم، حريتهم، استقلالهم، فكرهم، حياتهم؛ وهم أعزاء، شرفاء، رافعو رؤوسهم؛ لأَنَّهم حافظوا على إنسانيتهم وَدينهم وكانوا كما يريد الله لهم أن يعيشوا في هذه الحياة الدنيا؛ فلا حياة إلا بعز وشرف وإباء وعدل.