لا يليقُ بمقام القادة إلا وسام الشهادة
خديجة المرّي
بعد حياة ومسيرة حافلة بالتضحية والجهاد في سبيل الله، وبعد مُقاومة الأعداء وكسر أُنوفهم تحت التُراب، وكسر شوكتهم وهو لم يهتب، بعد أن تحرّر من السجن، لم يذل أَو يجبُن، لم يتزعزع أَو يهن، بل واجه الصهاينة بِكل قُوة فُولاذية، وهزمهم ببطولاته الحيدرية، امتلك عصا موسى التي لاحقت الأعداء وطائراتهم المُسيّرة التي كانت تُحيط به من كُـلّ جانب، رغم إن دمه الطاهر كان ينزف، والجرح في ركبته بعد لم يجف، فألقى عصاه فإذا هي تلقفُ ما يأفكُون، فقذف الرعب في قلوبهم، ونكل بهم أشدُّ تنكيل ومرغ بهم، ثم صعد شهيدًا عزيزًا خالدًا مكرمًا عند ربه يرزق، مُحقّقاً حلمهُ الأسمى وهدفهُ المرسوم وهي «الشهادة في سبيل الله» في معركة الفتح الموعود والجهاد المُقدس شهيدًا على طريق القدس والأقصى مُستبشرًا.
وظن الأعداء بِمساعيهم الخبثة وأفعالهم القذرة والدنية أنهم باغتيال هذا القائـد المقدام والفذ الشُجاع/ يحيى السنوار قد أماتوه وأماتوا وحيهُ فينا، ولكنهم لا يعلمون بأنهم قد أحيوه من جديد فينا، وصنعوا فينا إعصار عليهم يتوقد وقيداً، ظنوا بأنهم بفعلهم الإجرامي هذا بأنهم سيضعفون حركة حماس، وبأنها ستنهار معنويات أبطالهم العالية، ظنُوا بأنها ستتوقف عملياتنا ومسيرتنا الجهادية، ظنوا بأن المقاومة لن تستطيع مُواصلة مشوراها الجهادي، وبأن صبرها وصمودها سينفد ولن تسطيع أن تقاوم وستُهزم؛ ولكن خابت ظنُونهم وخابت مساعيهم، وكسرت شوكتهم، واقتربت هزيمتهم وسحقهم، فكل قطرة دمٍ من دماء هؤلاء القادة تصنعُ فينا براكين ثائرة كلهيب النيران مُستعرةٌ ولن تتوقف، تُزيدنا تماسُكًا وتوحُدًا وصلابةً وقوةً ومعنويةً، تشعل فينا شُعلة تنبثقُ منها روحًا مُتحلية بالإيمان، وعاشقةً للميدان، فكلما رحل قائد أتى بعده ألف ألف ثائر ثابت ومُجاهد، وكلما ذهب ليث شاجع، حَـلّ محله ليثٌ قاهر؛ فالذي خلق السنوار قادر على أن يأتِي بآلاف مُؤلفة من القادة الصناديد الثوار.
وواهم من يظن أن باستشهاد القادة يمكن أن تنتهي مسيرتهم وحركتهم بِكل بساطة، ومن يتوهمُون بأن الأبطال يمُوتون، فهم كاذبون وخاسرون فالأبطال أحياء عند ربهم يُرزقون كما قال الله عز وجل: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
إنه من سُنن الله الإلهية في هذا الكون أن يسقط أشخاص عُظماء، وقادة حُكماء؛ لأَنَّه يعتبر نصرًا وفتحًا كَبيرًا لحركة الرسالة بكلها وكما قال الشهيد السيد/ حسين -رضوان الله عليه- «ولا بدَّ في هذه المسيرة أن يسقط شُهداء وإن كانوا على أرفع مستوى مثل هذا النوع كحمزة سيد الشهداء» وإنه لا بُـدَّ من تضحيات كبيرة؛ لكي تكون ثمرة النصر قريبة وعظيمة:-«أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ».
فلا يليق بمقام القادة إلا وسام الشهادة، الشهادة بقداستها وعظمتها، الشهادة التي هي اصطفاء إلهي، ونصر رباني، الشهادة التي لا يعرفُ معناها إلاّ من عشق دربها وسار في طريقها، الشهادة التي حياة خالدة، وسعادة أبدية دائمة، فالعظماء لا تليق بهم هذه الأرض ومسكنُها؛ إنما تليق بهم جنة من ربّ السماء ونعيمها، فالشهادة في سبيل الله حياة طيبة يعشقُها كُـلّ من أعد نفسه وروحهُ لكي يحظى بِها وينالها، ويا سعد من نالها، ومُنح وسامها.