غزة.. بين المواقف المُتباينة من العرب والمسلمين
أحمد مهدي
بينما يتجرّع أبناء غزة -رِجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا- أشدَّ وأقذرَ أصناف العذاب، ويُكابدون المعاناة التي لم يعرف لها التاريخ الحديث مثيلًا، يلهو العرب في بَذَخٍ وَضلال، مُتناسين ومُتجاهلين كُـلّ ما يحدث في غزة، وكأنهم يعيشون في عالمٍ آخر، عالمٌ لا يوجد فيه شيءٌ اسمه غزة، ولا توجد فيه حرب يشنها أقذر عدوٍ عَرفَتهُ البشرية، بل ولا يخرجون عن صمتهم ولو حتى ببيان إدانة لتلك المجازر إلا ما نَدَر، وَإذَا صدر بيانٌ من هنا أَو هناك؛ فَــإنَّهُ يكون هزيلًا ضعيفَ اللهجة.
في حين أن هناك دولًا وشعوبًا من أطراف هذا العالم… قدّمت مواقف قوية، لم تكن متوقعةً منها، بل كانت متوقعةً من الشعوب والدول العربية والإسلامية، مع أنّه لا تربُطُهُم بِفلسطين أيةَ روابط جغرافيةٍ أَو دينيةٍ أَو قومية، وإنّما حرّكتهُم رابِطةُ الإنسانيةِ وحدَها.
فقد قامت العديد من الحكومات بقطع علاقاتها مع “إسرائيل”، وقاطَعَتهُم اقتصاديًّا ودبلوماسيًّا، وخرجت الكثير من الشعوب إلى الشوارع والساحات في مُظاهراتٍ واعتصاماتٍ كبيرة، عبّرت عن موقفها المُضادِّ لذلك الكيان، وكلَ ما يُمارسُهُ من جرائم بحق الفلسطينيين، حتى في عُقر دارِ الدول التي أنشأت وربّت ودعمت وما زالت تدعم هذا الكيان، وتقف بجانِبهِ بكُل ما أوتِيَتْ من قوةٍ وإمْكَانات.
ولكن.. ومن بين الدول الإسلامية والعربية.. كانت هناك ثُللٌ مترامية هنا وهناك قامت بالواجب، ووقفت بجانب المظلومين في غزة بكل ما تستطيع، دون كلل أَو ملل، غير آبهة بالتهديدات، أَو عواقب تلك المواقف التي قدّموها، وغير مُنجَرّينَ وراء المُغريات التي عَرَضَتَها عليهم أمريكا وغيرها من حُماةِ الكيان الصهيوني النازيّ.
فمِن لبنان دخل حزب الله المعركة للدفاع عن المظلومين في غزة بكل ما أوتي من قوة، وساهَمَ ونجحَ في استنزاف العدوّ الصهيوني، وتمكّن من إشغالهِ بالعمليات التي يقوم بها بشكلٍ مُستمرّ، منذ السابع من أُكتوبر وحتى الآن، وصَرَفَهُ عن التفرُّدِ بغزة، وقد قدّم التضحيات الكبيرة في سبيل نصرة غزة.
وعلى رأس تلك التضحيات، الأمين العام لحزب الله “السيد حسن نصرالله” وغيره من القادة والأفراد، ناهيك عن ضحايا القصف الذي تقوم به “إسرائيل” على الضاحية الجنوبية لبيروت، وغيرها من المناطق في لبنان.
ومِن العراق، شاركت المقاومة الإسلامية العراقية في هذه المعركة بكل قوة، وقامت بالعديد من العمليات ضد العدوّ الصهيوني، وكذلك ضد القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وَسوريا.
أمّا اليمن فقد أضحت طرفًا أَسَاسيًّا وفعّالًا في الصراع مع العدوّ الصهيوني، ومساندة الفلسطينيين.
فبعد أَيَّـام قلائل من السابع من أُكتوبر، قامت القوات المسلحة اليمنية بضرب أهداف صهيونية في جنوب فلسطين المحتلّة، ثم قامت بفرض الحصار الاقتصادي على الكيان النازي، على مستوى البحار الثلاثة، الأحمر والعربي والأبيض المتوسط، وكذا المحيط الهندي.
وُصُـولًا إلى المراحل التالية لذلك، حَيثُ تمكّنت القوات المسلحة اليمنية من ضرب العمق الإداري الاستراتيجي للعدو.
ورغم قيام أمريكا بإنشاء تحالف عسكري لحماية الكيان الصهيوني من العمليات اليمنية، وَرغم ما تمتلكه أمريكا وشركاؤها من إمْكَانيات مهولة ومتطورة، مُزوَدةٍ بأحدث التقنيات العسكرية والمعلوماتية إلا أنّ القوات المسلحة اليمنية أصرّت على القيام بواجبها الإنساني الديني القومي، في نصرة المظلومين في غزة، رغم ما تمر به البلاد من أوضاع صعبة جرّاء الحرب والحصار اللّذانِ استمرّا ضدها لقرابة تسع سنوات.
ولكن وبعون الله تعالى تمكّن اليمنيون من كسر هيبة البحرية الأمريكية، وإعدام هيبة أُسطورتها الجبارة، والتي ما فتئ العالم يحسب لها ألف حساب.
فقد صرح الأمريكيون بأنهم لم يتعرّضوا لما تعرّضوا له من قبل اليمن منذ الحرب العالمية الثانية.
وبين هذا وذاك، من المُؤسِفِ والمُحزن جِـدًّا، الموقفُ المُغاير من بقية الشعوب والحكومات العربية والإسلامية، من التخاذُل عن نصرة المظلومين في غزة، والتواطؤ مع الكيان الصهيوني في الإبادة الجماعية هناك، وخنق الغزّاويين بالحصار والتجويع.
سيُخلِّدُ التاريخ -كما هي عَادتُهُ- كُـلّ تلك المواقف المُتباينة، وسيَذكُرُ المُنتصرَ والمخذول والمهزوم.
والله لا يُخلف وعدَه أبدًا، والعاقبةُ للمُتقين.