“إسرائيل” كيانٌ فاسد.. التجسُّسُ كوسيلة انتقام لمجتمع الشتات
إبراهيم العنسي
من الداخل تعيشُ “إسرائيلُ” تفكُّكًا وصل إلى مستوىً كبيرٍ يتجاوَزُ المظهر العام للكيان، حَيثُ توغل البلاد في فساد عميق يبدأ برئيس الكيان ورئيس وزرائه إلى أعضاء الكنيست إلى ضباط الجيش إلى عصابات محمية من الداخل الأمني. لقد بات الشعور العام أن قلةً تستحوذُ على كُـلّ شيء في “إسرائيل”: مناصب وشركات وثروات، في ظل فساد تشريعي ضاعف من أجور أعضاء كنيست الكيان بأضعاف أضعاف ما هو عليه في برلمانات العالم، يزيد بثلاثة أضعاف ونصف ضِعف عما يتقاضاه سيناتور في الكونجرس الأمريكي على سبيل المثال، ليس هذا فحسب عبر المناصب التي يمكن أن تكونَ بوابة لعقد صفقات استثمارية والحصول على الترقيات والوظائف على حساب مجتمع الشتات الصهيوني. وصل الأمر إلى أن تحميَ قياداتُ الأمن عصاباتٍ إجراميةً تعملُ لصالحها، وهو سلوك عزز نظرة صهاينة الشتات، إلا أن خديعة الوطن اليهودي المحلَّى بالرفاه والمساواة والديمقراطية ليس إلا وَهْمٌ يتكشف شيئاً فشيئاً، ويؤكّـده فكر يهودي ينظر إلى أن الكيان اللقيط هذا ليس إلا ضيفاً غير مرحب به في فلسطين المحتلّة، حَيثُ لا بُـدَّ من الرحيل في القريب العاجل.
هذا السلوك الانتهازي على مستوى تعايش جماعات الصهيونية عزز حقيقة أن النسبة الأكبر من مجتمع الشتات الصهيوني يعيش في قرارة نفسه حالة الضيم والقهر والاستغلال لنخب وجماعات بعدد أصابع اليد هي من تتحكم في توزيع ومنح المنافع، حَيثُ لاحظ الغالبية العظمى من سكان الكيان، هذا؛ ما يفسر ظهور وتنامي العمل التجسسي في الداخل الإسرائيلي، حَيثُ بات هذا العمل يمثل قناعة لدى من سلكوا هذا المسلك ولاعتبارات كثيرة منها فقدان الثقة بالقيادات الحالية، وانتشار فساد كبير، ليس في حقبة نتنياهو الأخيرة فقط، بل حتى من قبل هذا، ولكنه بات وباءً مستفحلاً ومعلناً. كما أن التجسس ضد “إسرائيل” طريق لتحقيق ثروة وكسب المال الذي بات محصورًا في الكيان على جماعات محدودة وقلة قليلة في الداخل.
والواضح سيطرة رؤوس الأموال الكبيرة على سوق البناء والسَكن وارتفاع أسعارها المُستمرّ، وقد بات اقتناء المسكن مشكلة كبيرة لدى أكثر الإسرائيليين، ومعظمها من خلال قروض الإسكان طويلة الأمد، وهي باهظة جِـدًّا، حيثُ إن نسبة مرتفعة جِـدًّا ممن يتملكون وحدات سكنية بقروض الإسكان يعجزون عن الدفع في مرحلة ما، وهذا ما جعل شرائح كبيرة تشعر بأن القوى الاقتصادية المتوغلة ضمن شبكة المنافع العليا تتحكم بمصائرهم، وتحرمهم من الأمن الاقتصادي، وهذا يقود إلى طريق آخر.
كما أن الشعور العام لدى مجتمع الشتات الصهيوني بأن لا معنى لمفهوم الوطنية، حَيثُ الإدراك أن هذه البلاد ليس وطناً دائماً لهم باستثناء جماعات اليمين المتطرف، والشيء الآخر أن الجشع اليهودي متأصل في هذا المجتمع لكسب المال بغض النظر عن الكيفية والوسيلة لجني المال.
البلديات باتت بؤراً للفساد والإفساد، في التوظيفات والمقاولات وغيرها، واليد العليا فيها لعصابات الإجرام المنظّم.
الوظائف الكبيرة توزّع حسب الانتماءات الحزبية، وليس حسب الكفاءات، والوظيفة تقرّر حسب القرب من هذا المسؤول الحكومي أَو ذاك وخِدمته، وهذا يعني عقد صفقات، أصواتًا في انتخابات الأحزاب الداخلية لمرشحي الكنيست مقابل الوظائف، حتى الحساسّة منها، ومن غير الكفاءة.
الشعور العام أن أكثر وزراء الكيان الإسرائيلي والمسؤولين يبرهنون على أنهم يسعون مِن أجلِ مصالحهم الشخصية، ومستعدون للتضحية بكلّ شيء، مقابل البقاء في مراكز القوة والنفوذ.
والملفت أن من هؤلاء من حُكِمَ عليهم بالسجن، وعندما خرجوا عادوا لممارسة نشاطاتهم السياسية ضمن شبكات المصالح في داخل الكيان.
كما أن ممارسات الضغط والتجنيد الاحتياطي دفع بالكثير للعصيان والانتقال؛ انتقاماً من ممارسات شبكات المصالح العليا بما فيها طاقم النتن ياهو إلى خانة التجسس على هذا الفريق الذي يقود حرب إبادة في غزة على وجه الخصوص.
ولا ننسى أن هناك جماعات دينية كبيرة “الحريديم” كمثال، لا تخدم في الجيش، ولكنّها تحصل على ميزانيات مميّزة أكثر من غيرها، حيثُ إن مصدر قوّتها أصواتها وممثليها في كنيست كيان العدوّ. هذا ينعكس على كثيرين من الذين يشعرون بالإحباط والمرارة؛ فهم يعرِّضون أنفسهم وأبناءهم لخطر الموت في جبهات القتال، بينما يقطفُ غيرهم الثمار من دون أي جهد تحت مسمى ديني.
وخلال أقل من عام، جرى الكشف عن خمس إلى ست شبكات تجسس.
في كُـلّ الحالات كان الجواسيس من اليهود، ومن مختلف الأعمار، من بينهم قاصرون، وجميع اليهود الذين تورطوا بهذا العمل أقروا بأنهم فعلوا هذا طمعاً في المال.
شملت هذه الشّبكات مختلف شرائح الإسرائيليين، من رجال أعمال، وزير سابق، مدير مكتب عسكري، أناس عاديين، رجال خدموا في الجيش، فقراء، وميسورين.
والاثنين الفائت تحدثت الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن الصهيوني “الشاباك” في بيان مشترك، عن إحباط شبكة تجسس مكونة من سبعة إسرائيليين يعملون لصالح الاستخبارات الإيرانية، وفق مراسل “الحرة” في تل أبيب. وهؤلاء الأفراد -المقيمون في حيفا وشمالي فلسطين المحتلة- جمعوا معلوماتٍ استخباراتيةً عن قواعد الجيش الإسرائيلي والبنية التحتية للطاقة.
وقد كانوا على علم بأن المعلوماتِ التي يجمعونها قد تُستخدَمُ لإلحاق الضرر بأمن الكيان الإسرائيلي، بما في ذلك احتمال استخدامها في توجيه هجمات صاروخية، والقيام بعمليات من الداخل، وحتى اغتيال مسؤولين كبار.
هذه الأعداد الكبيرة نسبيًّا، أثارت علامات استفهام عن سبب الظاهرة.