استمرار الإجرام يرفع الفاتورةَ على العدوّ الصهيوني ويدفعُ بعجلته نحو الهاوية
المسيرة: نوح جلّاس
يوماً تلوَ آخر يتضحُ مستقبلُ اقتصاد العدوّ الصهيوني المليء بالانتكاسات؛ جراء استمرار العدوان والحصار على غزة ولبنان، وما ينتجُ عن ذلك من ضربات مرتدة تنفِّذُها المقاومةُ في فلسطينَ ولبنانَ وكذلك جبهات الإسناد اليمنية الفاعلة والعراقية المتصاعدة، فضلاً عن الإنفاقات العسكرية المباشرة التي قد تصل في مجملها إلى قرابة 70 مليار دولار، بحسب ما أكّـدته الاعترافات الإسرائيلية، وفي المقابل تؤكّـد المعطيات أن العدوّ الصهيوني سيكون على موعد مع أزمات طويلة الأجل جراء التقلص المتواصل في قطاعات الاستثمار والإنتاج، ومعدل الائتمان والمعدل الإنمائي.
وفيما يعاني اقتصاد العدوّ الصهيوني من سلسلة أزمات أبرزها تراجع مؤشرات الأسهم في البورصة وقيمة “الشيكل” وهروب أصحاب رؤوس الأموال وعزوف المستثمرين والسياح وشبه شلل في الاستيراد والتصدير وتعطل معظم القطاعات الإنتاجية، فَــإنَّ هناك مشاكل أُخرى متعلقة بالإنفاق المتزايد والذي يفاقم العجز المالي الذي يعاني منه العدوّ الصهيوني؛ فبعد أن وصل إلى أكثر من 67 مليار دولار بحلول سبتمبر الفائت، فَــإنَّ جبهة حزب الله فاقمت من هذا الإنفاق وفاقمت العجز، حَيثُ يستهلك العدوّ الصهيوني يوميًّا أكثر من 135 مليون دولار لتغطية النفقات المباشرة في جبهة الشمال، فضلاً عن نفقات أُخرى تتمثل في شراء الصواريخ الاعتراضية للتصدي لمئات الصواريخ القادمة من لبنان بشكل يومي، وهذا ما يمثل تهديداً كَبيراً للعدو الصهيوني على المستوى الاقتصادي وعلى المستويَّين العسكري والأمني؛ ليتضح جليًّا مدى تأثير الجبهة اللبنانية القوية في كسر عظم العدوّ.
وإزاء كُـلّ هذه المعطيات وغيرها، فقد أوضح صندوق النقد الدولي نهاية الأسبوع المنصرم أن الثلاثة الأعوام القادمة ستسجل نمواً أقل من المتوقع لاقتصاد العدوّ الصهيوني، إلا أن التقارير المالية الصهيونية تقول: إن النمو في السنوات القادمة سيكون بالسالب.. في إشارة إلى حجم التأثيرات التي أحدثتها جبهات المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق وإيران، على المديَّين المتوسط والبعيد، أما على المدى القريب فَــإنَّه عبارة عن عجز كبير لم يستطع العدوّ مواكبته حتى بالقروض، فضلًا عن عجزه عن استعادة أنشطة “موانئه” المحاصرة وما ترتب على ذلك من تعطل الإنتاج في عدة مجالات، وتعطل نسبة الاستيراد والتصدير بنسبة كبيرة جِـدًّا بعد إفلاس وتوقف ميناء “إيلات” وتشديد الخناق اليمني على باقي الموانئ المحتلّة عبر ضرب السفن المرتبطة بالعدوّ أَو المملوكة لشركات تتعامل معه.
وفيما توقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي للعدو بنسبة 2.7 % فقط في 2025 -وهو ما يقل إلى النصف عن التوقعات السابقة التي صدرت في أبريل الفائت– فَــإنَّ حسابات ما تسمى “وزارة المالية” الصهيونية قد سجلت النمو في الفترة بين 2023 وحتى 2025 بالسالب.
ولفت صندوق النقد الدولي إلى أن الانخفاضات التي يسجلها الاقتصاد الصهيوني منذ أُكتوبر العام 2023 هي الأدنى منذ العام 2002 “إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية”، مشيرةً إلى أن الأزمة العالمية التي ضربت العالم في العام 2008 لم تهوِ بالاقتصاد الصهيوني مثلما هو الحال اليوم، في تأكيد على أن الضربات التي تلقاها العدوّ هي الأكثر إيلاماً منذ نشأته.
وفي السياق يؤكّـد مراقبون أن العدوّ الصهيوني لن يستعيد عافيته اقتصاديًّا إلا بعد سنوات عديدة من وقف الحرب والحصار على لبنان وغزة، حَيثُ يحتاج لوقت طويل لترميم قطاعاته الحيوية التي أصابتها الضربات، خُصُوصاً وأن الاستثمار قد تدهور بشكل كبير ومن الصعب إعادة أصحاب رؤوس الأموال مجدّدًا بعد فقدان الثقة في حكومة العدوّ الصهيوني، وقد ذكرت صحف عبرية في وقت سابق أن غالبية المشمولين في الهجرة العكسية -سواء أصحاب رؤوس أموال أَو غيرهم- لن يعودوا إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة مجدّدًا، وهذا بحد ذاته ضربة قوية للعدو.
ويؤكّـد المراقبون أن تقادم الوقت يزيد من آفاق الأزمات على العدوّ الصهيوني، حَيثُ تفاقمت مشاكله الاقتصادية بشكل أكبر منذ تصاعد الحرب مع حزب الله؛ فقد بلغت خسائر العدوّ منذ نهاية سبتمبر الفائت قرابة 7 مليارات دولار، وهو ما انعكس بمشاكل عديدة من بينها ارتفاع نسبة العجز المالي، مؤكّـدين أنه كلما مر الوقت زادت نسبة الهروب في قطاع الاستثمار والإنتاج وانعدمت الثقة في حكومة العدوّ الصهيوني الذي كان يصور الأراضي الفلسطينية المحتلّة بيئة جاذبة للاستثمار.
وبما أن العدوّ ينفق بشكل يومي 135 مليون دولار لتغطية نفقات جبهة الشمال؛ فَــإنَّ مسار حزب الله التصاعدي سيقود العدوّ الصهيوني للمزيد من المشاكل، وفي مقدمتها ارتفاع الإنفاق الهجومي والدفاعي ومعه ارتفاع العجز، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة النزوح والهجرة العكسية وارتفاع وتيرة الهروب الجماعي للاستثمار، خُصُوصاً أن الحزب قد بدأ عمليات كبرى تستهدف حيفا الصناعية بصواريخ نوعية، ووسَّع عملياته في “تل أبيب”.
وفي سياق متصل ذكرت وسائل إعلامية صهيونية أن نسبةَ هروب المستثمرين ارتفعت إلى 62 %، وغالبيتهم من المستثمرين في القطاع التكنولوجي الذي يمثّل عصبَ الاقتصاد الصهيوني، بعائداته الضخمة التي تمثل ربع الموارد للعدو، في حين أن هذا الهروب يمثل تهديدًا إضافيًّا كبيرًا لمستقبل الاقتصاد الصهيوني.
ونقل موقع “ميدل إيست مونيتور” تقارير لوسائل إعلام إسرائيلية تناولت الوضع الاقتصادي المتردي منذ بدء العدوان على قطاع غزة واتساعه في لبنان وتصاعد عمليات جبهات الإسناد، حَيثُ أفادت بارتفاع كبير في هروب رؤوس الأموال من الأراضي الفلسطينية المحتلّة وسحب الاستثمارات إلى خارجها، موضحة أن نسبة الانسحاب وصلت منذ السابع من أُكتوبر 2023 وحتى منتصف أُكتوبر الجاري إلى 62 %، مؤكّـدةً أن تصاعد عمليات حزب الله وباقي جبهات الإسناد سيفاقم المشاكل بشكل أكبر، وفضلاً عن توسع العمليات النوعية لحزب الله في ضرب المناطق الحيوية، فَــإنَّ المقاومة العراقية بدورها تنفذ بشكل متسارع عمليات على أهداف حيوية في “إيلات” وحيفا ومناطق أُخرى؛ وهو ما يفاقم الأزمات بشكل قد لن يتحمله العدوّ.
وفي السياق ذاته أوردت صحيفة “كالكاليست” الصهيونية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية تقريراً أوضحت فيه أن “المصطلح الاقتصادي (هروب رأس المال)، له آثار بعيدة المدى على الاقتصاد؛ لأَنَّه قد يتسبب في انهيار اقتصادي أَو حدوث أزمة”.
وقالت: إن “هروب رأس المال يحدث بشكل كبير وسريع وغير موثق في بعض الأحيان؛ بسَببِ عدم الاستقرار المالي أَو عدم اليقين أَو زيادة المخاطر السياسية أَو الجيوسياسية أَو الاقتصادية أَو الاجتماعية”، في إشارة إلى التأثيرات المتوسعة للعمليات التي تطال العدوّ الصهيوني، لا سيما تلك الضربات التي تطال المناطق الحيوية.
وأكّـدت الصحيفة الصهيونية أن استمرارَ الوضع الراهن سيؤدي إلى “فقدان الثقة في “إسرائيل”، ويدفع المزيد من المستثمرين للبحث عن فرص في الخارج”.
وتأتي هذه التقاريرُ بعد أن أوردت مجلة “الإيكونوميست” الشهر الماضي، تقاريرَ تفيدُ بأن البنوكَ الصهيونية تعاني من هروب رؤوس الأموال؛ أي أن الهجرة العكسية التي تصيب العدوّ لا تقتصر فقط على “المستوطنين”، بل إن شريحة واسعة من الهاربين هو من أصحاب رؤوس الأموال، فضلاً عن إعلان شركات أُورُوبية وبريطانية كبرى سحب أصولها من الأراضي الفلسطينية المحتلّة؛ وهو ما يكشف مدى انعدام الثقة في حكومة العدوّ الإسرائيلي.
ومع كُـلّ المعطيات يبدو أن العدوّ الصهيوني بات محاصراً في زاوية ضيقة للغاية؛ فهو لم يتمكّن من ردع المخاطر العسكرية والأمنية، وإنما زادت بشكل أكبر مع توسع الحرب مع لبنان، وكذلك لم يتمكّن من تخفيف وتيرة الانهيار الاقتصادي، وقبل ذلك لم يتمكّن من تحقيق أهدافه التي أعلنها، كاستعادة الأسرى وتفكيك المقاومة واستعادة الردع، وإنما فقد العديد من الأوراق التي كان محتفظًا بها قبيل توسيع إجرامه، وهو الأمر الذي يجعل أمامه خيارًا واحدًا متمثلًا في وقف العدوان والحصار على غزة ولبنان وبكامل شروط المقاومين العادلة والمشروعة والمحقة، أما الاستمرار في الإجرام فهو مسار انتحاري بكل المقاييس والمعايير التي توضحها المعطيات الراهنة، ويشمل هذا المسار الانتحاري انهيارًا أمنيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا يؤول إلى طريق الزوال.