هزيمة “إسرائيل” في قطاع غزة.. إفشال حلم عودة الاستيطان

المسيرة – إبراهيم العنسي:

في عام 2005، أُجبر الكيانُ المؤقَّتُ على إجلاءِ أكثرَ من 8000 مستوطن يهودي من قطاع غزة، وتم إعادةُ القطاع إلى حكم السلطة الفلسطينية.

لكن سَرعانَ ما خرجت دعواتُ المستوطنين الصهاينة ممن طُردوا من غزةَ لمطالبة “إسرائيل” بإعادة استيطان القطاع من جديد.

اليوم يزحفُ المستوطنون إلى محيط غزة لعقد مؤتمرات على اعتبار أن عودة اغتصاب الأرض الفلسطينية في قطاع غزة قريبة.. الكلام لا يخص شمال القطاع، بل القطاع الغزاوي بأكمله.

التحَرّك اليميني المتطرف الذي يسير في سياق إطلاق التصريحات المتهورة والذي بدأه رئيس وزراء الكيان بالحديث عن توسيع خارطة الكيان، ثم تغيير خارطة الشرق الأوسط، وما لاقاه من ممانعة على مستوى المقاومة في الداخل الفلسطيني، والمقاومة اللبنانية كسر النهم الصهيوني، لكنه يحاول أن يعوض هذا الإخفاق، بالحديث عن عودة الاستيطان في غزة، حَيثُ خطة الجنرالات تسير بالتوازي مع هذا التحَرّك.

يوسي داغان، الناشط الاستيطاني الإسرائيلي الذي يقود إحدى مجموعات الضغط الأكثر تأثيرًا في اللجنة المركزية لحزب “الليكود” وهو ممن اضطر إلى ترك المغتصبة اليهودية في الضفة الغربية عام 2005، بانتظار عودة احتلال الأرض الفلسطينية من جديد.

قبل حوالي أسبوع تجمع مئات الناشطين وسط “إسرائيل” لحضور مؤتمر يرفع شعار “الاستعداد العملي للعودة إلى غزة”.

صفحة على فيسبوك باسم “العودة إلى غوش قطيف” -وغوش قطيف مغتصبة “إسرائيلية” سابقة في القطاع- اليوم تضم أكثر من 10 آلاف متابع ينادون بعودة الاستيطان إلى قطاع غزة.

في أعقاب حرب 7 أُكتوبر 2023، وبعد نحو أسبوعَينِ من هجوم (طُوفَان الأقصى) تغير اسم الصفحة إلى “العائدين إلى قطاع غزة”.

واليوم تطلق جماعة اليمين الإسرائيلي المتطرف تصريحات عنصرية على أَسَاس حاجة “إسرائيل” لإكمال محرقة غزة ومسلسل القتل والإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة.

مي غولان، وهي من بادرت لعقد مؤتمر إعادة استيطان غزة، و”تمثل نازية القرن الجديد”، تقول ما يؤكّـد مساعي هذا التيار لاحتلال الأرض الفلسطينية: “سنضربهم في المكان الذي يؤلمهم، أرضهم”، بحسب ما نقلته صحيفة هآرتس الإسرائيلية.

والاثنين الماضي عقد مئات من اليمين الإسرائيلي المتطرف، مؤتمرًا بالقرب من قطاع غزة دعوا خلاله إلى إعادة النشاط الاستيطاني في “كلّ شبر”، من القطاع الفلسطيني، الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية إسرائيلية منذ 7 أُكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتحت عنوان “الاستعداد لإعادة استيطان غزة”، انعقد المؤتمر في منطقة صنَّفها الجيش الإسرائيلي منطقة “عسكرية مغلقة” قُربَ مستوطنة بئيري بمحاذاة غزة، حَيثُ شارك فيه أبرز رموز التيار الصهيوني من نواب ونشطاء من أحزاب يمينية أبرزهم مجرمو الحرب بتسلئيل سموتريتش (المالية)، ويتسحاق غولدكنوبف (الإسكان)، وإيتمار بن غفير (الأمن القومي)، وميكي زوهر (الرياضة)، وحاييم كاتس (الرفاهية)، وعميحاي شيكلي (شؤون الشتات)”، “يتسحاق فاسيرلاوف (تنمية الجليل والنقب)، وأوريت ستروك (الاستيطان)، وعيديت سيلمان (حماية البيئة)، ومي غولان (المساواة والمرأة)، وشلومو كارعي (الاتصالات)، وعميحاي إلياهو (التراث)”.

يقول يوسي داغان، الناشطُ الاستيطاني ورئيس مجلس المستوطنات بشمالي الضفة الغربية المحتلّة: “نريد استعادةَ أرضنا منهم، سنصلح خطأ فك الارتباط (عام 2005)، سنصلح أخطاء اتّفاقيات أوسلو (مع منظمة التحرير الفلسطينية عامي 1993 و1995) لن نرتكب هذه الأخطاء مرة أُخرى أبدًا، سنعود إلى ديارنا“.

ناشطة الاستيطان دانييلا فايس، قالت للصحفيين: “جئنا إلى هنا لغرض واضح واحد: استيطان قطاع غزة بأكمله.. كُـلّ شبر من الشمال إلى الجنوب“.

أضافت: “نحن آلاف الأشخاص، وعلى استعداد للانتقال إلى غزة في أية لحظة… لقد فقد العرب حق الحياة في غزة، وستشاهدون كيف سيذهب اليهود إلى غزة ويختفي العرب منها“.

سيما حسون، ممثلة “موكب الأُمهات” -وهي مجموعة يمينية متطرفة- تقول: “أعلم أن الكثير منكم مستعدون لذلك: غزو (غزة) وطرد (تهجير الفلسطينيين) وإعادة استيطان (القطاع)… لا أتحدث عن منطقة واحدة من غزة.. لا أتحدث عن شمال غزة فقط.. أعني كُـلّ شبر من الأرض“، وذلك حسب ما نقلته “هآرتس”.

 

هزيمة استراتيجية:

وعلى الرغم أن هذا التحَرّك غير مرحَّب به على مستوى دولي، يقيس ذلك الرفض لسلوك كيان العدوّ في انتهاج الإبادة والقتل الجماعي في غزة، حَيثُ اصطدم العدوّ أكثر من مرة بموقف معاكس حتى من مؤيديه خَاصَّة في أُورُوبا، إلا أنه مع ذلك يحاول الكيان سحب البساط في غزة والتدرج في إخلاء مناطق القطاع بدءًا من الشمال، في مقابل تصعيد مطالبات المستوطنين بالعودة إلى القطاع.

في مقابل هذا التوجّـه المزهو بنشوة وقتية لقتل السنوار، لم يعد يرى مهندس خطة الجنرالات ما كان يراه قبل، فالهدف والأولوية لديه هو وقف الحرب في غزة واستعادة الأسرى، وإنقاذ “إسرائيل” لأسباب كثيرة مصيرية أهمها أن “الخسائر البشرية أصبحت تفوق أية مكاسب محتملة”.

فرغم كُـلّ الصخب الإعلامي للصهيو أمريكان في محاولة صنع نصر وهمي للكيان الإسرائيلي إلا أن ما قاله آيلاند في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، يؤكّـد هزيمة الكيان إلَّا من استهدافه لقادة محور المقاومة، وهو “النصر التكتيكي” الوحيد الذي حقّقه، حَيثُ يرى أن استمرار الحرب لسنة أُخرى لن يحقّق أية إنجازات لـ “إسرائيل”، ولن يأتيَ بفائدة “استراتيجية”، في حين “ستتصاعد الخسائر البشرية بين الجنود الإسرائيليين والرهائن دون حدوث تغيير جوهري في معادلة الصراع.

إذَا واصلنا القتال في غزة لمدة 6 أشهر أُخرى، أَو سنة، فلن يغير ذلك الواقع هناك.. سيحدث شيئان فقط: سيموت جميع المحتجزين وسيُقتل المزيد من الجنود”.

حيثُ إن الكثير من الجنود يعانون إصابات جسدية ونفسية تؤثر على حياتهم بالكامل، مثل فقدان الأطراف أَو البصر، مما يدمّـر مستقبلهم بشكل كامل، إضافة إلى الضغط الهائل الذي يتعرض له الجنود، خَاصَّة جنود الاحتياط، الذين قال آيلاند، إنهم “يعانون ظروفًا اقتصادية وعائلية معقدة، تجعل استمرار الحرب عبئًا لا يحتملونه”، وهي إشارة إلى أن هذا يشكل خطرًا على جيش الاحتلال واحتمال حدوث انهيار كبير داخله؛ الأمر الذي سيكون بمثابة هزيمة أُخرى للاحتلال.

إلى جانب الضغط الاقتصادي على كيان العدوّ، حَيثُ استنزاف الموارد في غزة سيلقي بظلاله الثقيلة على الاقتصاد في المستقبل القريب، فيما استمرار الحرب في غزة سيقود الكيان المحتلّ إلى المزيد من السخط العالمي، حَيثُ بات “العالم لا يفهم ما نريد تحقيقه في غزة، وهذا يضع “إسرائيل” في عزلة دبلوماسية”.

ويخلص مهندسُ مشروع عودة الاستيطان آيلاند، إلى القول: “إن أي اتّفاق مع حماس يجب أن يكون هدفه الوحيد هو تحرير الأسرى، دون طلب أية تنازلات إضافية من حماس، حَيثُ لا مجال للحديث عن مشروع استيطان، انتظاره سيكون مدمّـراً للكيان فيما حمايته ولو في شمال غزة سيكون عبئًا لا تحتمله مؤسّسات الكيان المحتلّ”.

لهذا يطلق الكيان تصريحاتٍ بانتهاء الحرب وتحقيق أهدافها، فيما الحقيقة أن كيان الاحتلال تعرض لهزيمة استراتيجية بدءًا بسقوط العقيدة الأمنية والسقوط الاستخباراتي على يد حماس ثم سقوط التفوق العسكري وانكشاف عورة الكيان، آخرها الهجوم على إيران، وقد ظهر بمستوى هزيل لا يقارن بعملية الوعد الصادق1 أو 2، والأخطر في نظر قادة الكيان تراجع التأييد الدولي له على مستوى النخب والرأي العام الغربي أولًا والعالمي عُمُـومًا، حَيثُ بات من الصعوبة ترميم صورة الكيان المتوحشة في الذاكرة العالمية، والأهم هو ما ستحتفظ به الذاكرة الاجتماعية للكيان من مواقفَ مؤلمة وحقيقة تراكم أزمات الداخل الإسرائيلي، حَيثُ الكيان لم يعد المكان المرغوب لليهود بعد اليوم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com