الأغبى من الحمار وأعزَّ اللهُ الحمار..!
د. محمد عبد الله شرف الدين
لم يكن الإنسانُ المخلوقَ الوحيدَ الواعيَ والمستشعِرَ لألوهية الله تعالى، وربوبيتِه؛ إذْ تناوَلَ القرآنُ الكريمُ ما يُعَبِّرُ عن ذلك الاستشعار؛ فقال تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}، [سُورَةُ الجُمُعَةِ: ١].
ويتنامى هذا الاستشعارُ؛ فيبلُغُ درجةً عاليةً من الخضوع والتسليم، من خلال عبادةِ التسبيح؛ فقال جَلَّ شأنُه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}، [سُورَةُ الحَجِّ: ١٨].
وعند الدواب خَاصَّةً يتراءى مستوى وعيها، بسجودِها المتأتي استشعارًا لعظمة الخالق سبحانَه في فكرها، ووجدانها، وهذا ما يغيبُ عن كثير من البشر الذين يعتبرون (الحمار) الذي يسبِّحُ لله تعالى، ويسجُدُ له أغبى حيوان!!
لقد ضرب اللهُ تعالى مَثَلًا في القرآن الكريم يتعَلَّق بالحمار؛ فقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، [سُورَةُ الجُمُعَةِ: ٥].
فالحمارُ لا يعلمُ ماذا تحوي هذه الأسفار بينما ينوءُ بحملها على ظهره؛ فكذلك اليهود لما لم يتعلموا التوراة، ولا اتّبعوها؛ فهذا المثل ليس بِـ حَطٍّ من قيمة الحمار؛ إنما هذا مَثَلُ اليهود السيِّئِ الذي انطبق عليهم، فلم تعد لديهم الصلاحيةُ لجعل الرسالة فيهم، وقد تركوا التوراة.
وفعلًا؛ ثمة بشرٌ هم أغبى من الحمار وأعز الله الحمار؛ فلا يستشعرون عظمةَ الله، وقدرته، ويعيشون أزمةَ ثقة بالله، فيدعّون إلى أحضان اليهود والنصارى دَعًّا، كأنهم حُمُرٌ مستنفِرَةٌ، فرَّت من قسورة إلى مذأبة.
وواقعُ كثير من زعماء العرب والمسلمين اليوم يجسِّدُ ذلك الغباء؛ إذ يرتمون تحتَ أحذية العدوّ أمريكا و “إسرائيل” متغابين عن تحذيرات الله تعالى، حاملين ذاكرةَ الفيل تجاه الواقع المعبِّر بجلاء عن تخلي العدوّ عن جُلِّ عملائه، بل وتصفيتهم أحيانًا.
فقد لبثت طائرةُ الفارّ شاه إيران، وشرطي العدوّ تحلِّقُ في الجو ساعاتٍ، تلهث عن مأوى، وزين العابثين التونسي الذي فتح ترابَ تونس الطاهر لسنين تدنِّسُه قطعانُ الصهاينة المتجولة، نفته أرضُها الطاهر، وخاتمة الخزي لحسني وأبي تميم بعضٌ من تراجيديا لا تنتهي.
لقد سعى الحمارُ جاهدًا مجتهدًا مستشعرًا قولَ الله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم، مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ، ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}، [سُورَةُ الأَنۡعَامِ: ٣٨]، ليحاسبه سبحانه، فيثيب، ويعاقب، وهذا -للأسف- ما لا يستشعره بعضُ العرب والمسلمين؛ فهم يرتبطون بأوثق العُرَى بالعدوّ الأمريكي والإسرائيلي اللذين يرتبطان بعمق بالشيطان؛ ليكون قائدهم، يتقدمهم يوم الحساب، ويسوقهم إلى جهنم، وبئس المصير.
ويسبق ذلك في العاجل بسوقهم إلى ما يدنِّسُ كرامتهم، وإنسانيتهم، حتى يأتيَ دورُهم؛ فالعالم العربي والإسلامي كله مستهدَفٌ أمريكيًّا وإسرائيليًّا، فلا يُستثنى أحدٌ، وهذا ما يأباه الحمار؛ فلا تراه يرمي بنفسه في مهلكة، ثم لا تراه يسالِمُ من عَضَّه، أَو يطبِّع معه، كما بعض زعماء العرب والمسلمين، ولا يفاوض إلا رفسًا لعدوه، ولا تراه يقابِلُ الضربَ المبرح -ناهيك بالقتل- بالمفاوضات، والمجاملات -النفاق-، والاستسلام أكثرَ، فأكثرَ، فحاشاه أعز الله فطرته.
إذن.. سلامُ الله على مسبحات الدواب، الساجدات لعظمة الله، ولا عزاءَ لمن ولّوا قِبلتَهم جهةَ البيت الأبيض، يطوفون حولَه ملبِّين، مهللين، مسبحين، ممجدين للعدو الأمريكي والعدوّ الإسرائيلي، منتظرين الدورَ في باب المقصلة؛ ليُذبَحوا، كالنعاج، وأعز الله النعاج؛ فهي ضمن دائرة الدواب المسبحات لله تعالى.
وفي الأخير: المسارُ الصحيحُ في النظرة للعدو والموقف منه، هو مسارُ الله تعالى، رسمه في القرآن الكريم، وجسَّده على مستوى الواقع منهجًا عمليًّا الأنبياءُ وأعلامُ الهدى، والمجاهدون في سبيل الله، (فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ، فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ، فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ)، [سُورَةُ يُونُسَ: ٣٢].
فيا ترى: من أغبى من الحمار!!!! وأعز اللهُ الحمار.