موازينُ الميدان.. لـ نتنياهو أم لحزب الله؟
محمد الموشكي
عند إعلان انطلاق العملية البرية على لبنان، قال نتنياهو بالنص: “سوف أغير موازين القوى، ولن يكون لإيران في لبنان محلٌّ بعد، وسوف أعيد الأمن والاستقرار لكل المستوطنات في الشمال”.
بعدها، بدأ الكيان بالتمشيط الجوي الكثيف، فضرب كُـلّ مكان في جنوب لبنان، استهدف القرى والمزارع والتلال والهضاب، وحتى الأشجار التي كانت تحَرّكها الرياح. كما استهدف بلا هوادة المباني والمناطق المدنية والحارات والمستشفيات والجوامع والمدارس والجامعات، وُصُـولًا إلى استهداف المصارف والجمعيات المالية والمقرات والمؤسّسات الإعلامية في الضاحية الجنوبية. وكل هذا الدمار والإجرامية لا يزال فقط في نظر العدوّ تمشيطًا للقوات البرية الإسرائيلية.
تجاوز جيش الكيان في صباح اليوم الأول الحدود اللبنانية وتقدم حوالي ثلاثة كيلومترات. وفي مساء نفس اليوم الأول، تراجع الكيان خمسة كيلومترات للوراء ومعه أكثر من 20 قتيلًا وجريحًا. ليلجأ كعادته، لضعفه، إلى التمشيط الجوي الذي بدأ يمشط بالمتر الواحد في كُـلّ المواقع الحدودية بالجنوب.
حزب الله هنأ ترك بعض المواقع التي تُعتبر مقتلًا حقيقيًّا لمجاهديه، والتي يُعتبر التمركز فيها غباءً عسكريًّا كون هذه المواقع تحت السيطرة النارية والبصرية والعملياتية لجيش الكيان، لينسحب حسب خطة الميدان الذي كان قد رسمها للمواقع الاستراتيجية المسيطرة.
ولكن، هنا لم تنته المعركة، بل من هنا بدأت المعركة من جديد، وبدأت موازين القوى تتغير، ولكن ليس للمهاجم، بل للمدافع. تغيرت لصالح المدافع وهو حزب الله، الذي حقّق من مناطق توغل جيش الكيان في بعض المناطق الحدودية مصيدة ثمينة يقتل ويفتك بها جنود الكيان بكل سهولة ويسر. وهذا الأمر الذي شاهدناه وشاهده الجميع من خلال إعلان ما يُسمح به من الرقابة العسكرية لجيش الكيان في كُـلّ يوم عن أسماء جنوده القتلى والجرحى، والذين هم بالعشرات. وكذلك مقاطع حزب الله التي نشرها في الإعلام وهو يتصيد دبابات وناقلات الجند في كُـلّ الشريط الحدودي للبنان، مما ميل المعادلة في الميدان وبكل المقاييس لصالح قوات حزب الله صاحبة الأرض.
ولم يكتفِ الحزب بهذه المعادلة القوية في الميدان، والتي أضجعت وأرعبت وأفزعت نتنياهو وقادة جيشه بعد وصول قتلى هذا الجيش منذ انطلاق العملية البرية على لبنان إلى حوالي 60 قتيلًا، وهو الأمر المرعب والمخيف والمقلق لجنود الكيان؛ بسَببِ هذا العدد الكبير وغير المعتاد في جيش الكيان، فرّ بحسب إعلام الكيان حوالي فرقتين كاملتين من ساحة المواجهة.
وكذلك، ثبت الحزب معادلة ثانية وهي الإخلاء الكلي للمستوطنات، ففي الوقت الذي يطلب فيه جيش الكيان إخلاء مبنى أَو اثنين في الضاحية، حزب الله يعلن ويطلب إخلاء مستوطنة كاملة بدل المبنى المستهدف في الضاحية. وهذه هي المعادلة التالية التي كسرت ظهر المجرم نتنياهو الذي وعد المستوطنين بالأمن والاستقرار والعودة إلى المستوطنات ليجد بعد ذلك أن لا مستوطن قد رجع، ولا بقي حتى من كان قد صمد وبقي في هذه المستوطنات، بل وحتى المستوطنين في حيفا وغيرها.
ومن هذا الاستنتاج الميداني الواضح الجلي، حزب الله كسب موازين القوى لصالحه وسحق أحلام نتنياهو بشكل كامل، وبالخصوص بعد وصولهم إلى غرفة نومه. بل يعتقد المراقبون العسكريون أن حزب الله لا يزال يمتلك المزيد من المفاجآت والاستراتيجيات، من أهمها الصواريخ الثقيلة التي لم يستخدمها بعد، وكذلك القوات المدربة الخَاصَّة بعمليات الهجوم العكسي وقوات الخَاصَّة بالخطف والكمائن.