بديلُ (التحالف الدولي لحل الدولتَين)

د/ عبد الرحمن المختار

انعقد في العاصمةِ السعوديّةِ الرياضِ، الأربعاءَ الفائِتَ، مؤتمرٌ ضَمَّ عددًا من الدول العربيةِ والأجنبية تحت مسمى (مؤتمر التحالُفِ الدولي لحل الدولتَينِ)، وقد سبق هذا لمؤتمر الإعلانُ عن ميلاد هذا التحالف من العاصمة الأمريكية واشنطن في شهر سبتمبر الماضي، بالتزامن مع الإعلان المشترك الأمريكي الفرنسي الذي تضمن الاتّفاق على وقف إطلاق النار على طول الحدود بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلّة.

واتضح بعد أَيَّـام قلائل أن هذا الإعلانَ -على الأقل بالنسبة للإدارة الأمريكية- لم يكن سوى غطاء لجريمة اغتيال كيان الاحتلال الوظيفي الصهيوغربي لأمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصر الله –رضوان الله عليه- تلك الجريمةُ التي أقلُّ ما توصفُ به أنها تجسيدٌ لقذارة وانحطاط القوى الاستعمارية الصهيوغربية التي خَطَّطت لهذه الجريمة ونَفَّذَتها باستخدام أكثرَ من خمسة وثمانين طنًّا من القنابل في الوقت الذي جرى فيه الترويجُ بشكل واسعٍ للإعلان الأمريكي الفرنسي المشترك لوقف إطلاق النار.

وبالتزامن مع ذلك جرى الترويج أَيْـضًا لتشكيل التحالف الدولي لحل الدولتين الذي انعقد مؤتمره الأول في العاصمة السعوديّة الرياض الأربعاء الفائت، ويأتي انعقاد هذا المؤتمر متزامنًا مع تصاعد كبير في أفعال جريمة الإبادة الجماعية والدمار الشامل المقترفة من جانب القوى الاستعمارية الصهيوغربية في شمال قطاع غزة، وهي ذاتها القوى التي نادت ولا تزال تنادي بوَهْمِ حَـلّ الدولتين منذ أكثر من سبعة عقود من الزمن، ولم ينتج عن ترويجها لوَهْمِ حَـلّ الدولتين سوى المزيد من أفعال الإبادة الجماعية والدمار الشامل والمزيد من السطو على الأراضي العربية.

وكل ذلك ليس سِرًّا، بل بشكل وقح وسافر؛ فالكيان الوظيفي الصهيوني وشركاؤه من القوى الاستعمارية الغربية يقترفون أفعال الإبادة الجماعية منذ أكثر من عام يوميًّا وعلى مدار الساعة، وشمال غزة ووسطها وجنوبها شاهد حي على إجرام هذه القوى التي يرفع كيانها الصهيوني الوظيفي بكل بجاحة وبكل وقاحة خرائطَ تفتيت الجغرافيا العربية تحت عناوينَ تتضمن توسيعَ النطاق الجغرافي لمسمى دولة (إسرائيل) لتشمل أجزاءً واسعةً من جغرافية مصر ودول الخليج والأردن ولبنان وسوريا والعراق، ولا يقتصر الأمر على مُجَـرّد أمنيات من جانب قيادات كيان الاحتلال الوظيفي الصهيوغربي، بل إن مواقف قيادات بارزة في القوى الاستعمارية الغربية أكّـدت على ذلك سابقًا وحَـاليًّا؛ فترامب رئيس الإدارة الأمريكية السابق نقل عاصمة إدارته إلى القدس، ومنح للكيان الوظيفي الصهيوغربي الجولان العربي السوري المحتلّ، وواقعًا فَــإنَّ إعلانات قيادات الاحتلال الصهيوني المتكرّرة عن تمدد النطاق الجغرافي لدولتهم لم تأتِ من فراغ؛ فلتلك الإعلانات ما يؤكّـدها على أرض الواقع في الجغرافيا العربية، حَيثُ تتواجد في العراق وسوريا والأردن والسعوديّة والبحرين وقطر والإمارات والكويت عشرات القواعد العسكرية الأمريكية البرية والبحرية والجوية، وهذا التواجد الأمريكي الواسع في النطاق الجغرافي لشعوب الأُمَّــة العربية هو بالنتيجة تواجد فعلي لكيان الاحتلال الوظيفي الصهيوني!

وقد سبق أن أكّـد هذه الحقيقة قبل أكثر من عقدين من الزمن السيد القائد الشهيد حسين بدر الين الحوثي -رضوان الله عليه- بقوله: (حيثما توجد أمريكا توجد إسرائيل) وهذه الحقيقة القائمة على أرض الواقع وعلى نطاق واسع من الجغرافيا العربية هي الدافع الحقيقي لقيادات الكيان الصهيوني الوظيفي لرفع الخرائط التي تبين الحدود المستقبلية لكيانهم الغاصب، والعائق الوحيد أمام تجسيد إعلاناتهم على أرض الواقع هو فصائل المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان وجبهات إسنادها في محور المقاومة، كما أكّـد على ذلك السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي –يحفظه الله تعالى- في كلمته في الأسبوع الماضي، وَإذَا ما تم تجاوز هذه العوائق –لا سمح الله– فلن يكون هناك من مانع أمام قادة كيان الاحتلال الصهيوني الوظيفي لإعلان دولتهم بامتداداتها الجديدة المحدّدة في الخرائط المعلَنة بشكل متكرّر من جانبهم.

ومع كُـلِّ ذلك يتفاخرُ وزير الخارجية السعوديّ بالقول إن بلاده لن تقيمَ علاقاتٍ مع دولة “إسرائيل” إلا بإقامة الدولة الفلسطينية! وهذا القولُ يأتي بعد تحديدِ قادة الكيان الوظيفي الصهيوني لثلثَي مساحة السعوديّة ضمن دولتهم المستقبلية! ووزير الخارجية السعوديّ يتحدث عن حَـلّ الدولتين! أليس الأولى به الحفاظ على جغرافية دولته؟ فأيَّةُ دولتَينِ يقصد الوزير السعوديّ؟ هل يقصد الدولتين اللتين ورد ذكرُهما في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (181) لسنة 1947 قبل أربعة وسبعين عامًا؟ أم حَـلّ الدولتين وفقًا لما هو معلَنٌ اليوم من مواقفَ جديدةٍ لقيادات الكيان الوظيفي الصهيوغربي التي تشمل مساحاتٍ واسعةً من جغرافية عدد من الدول العربية ومنها السعوديّة؟!

 

السعوديّةُ وَمَهَمَّةُ الترويج لحَلِّ الدولتَينِ:

المؤكَّـدُ أن انخراطَ النظام السعوديّ في الوقت الراهن في الترويج للتحالف الدولي لحل الدولتين الهدفُ منه أبعدُ من هدف حَـلّ الدولتين الذي سبق الترويجُ له قبل أكثرَ من سبعين عامًا بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي ترتب عليه التهامُ الأراضي الفلسطينية وجزءٍ من الأراضي اللبنانية والسورية، وارتكاب أفعال جريمة إبادة جماعية مُستمرّة ومتتابعة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، الذين رفضوا التهجير القسري وتمسكوا بأرضهم، واستشهدوا دفاعًا عنها ودُفِنوا فيها، وكل ذلك رغم ترويج الجمعية العامة للأمم المتحدة والقوى الاستعمارية الغربية لوَهْمِ حَـلّ الدولتين، أما الترويج الجديد تحت عنوان (التحالف الدولي لحل الدولتين) في ظل الواقع المأساوي للشعب الفلسطيني وشعوب الأُمَّــة العربية، فَــإنَّ نتائج هذا الترويج ستكون كارثية بكل ما للكلمة من معنى، حَيثُ ستشمل الإبادة الجماعية والدمار الشامل نطاقاتٍ واسعةً ومتعددةً من الجغرافيا العربية، وسيكون ما حدث لأبناء الشعب الفلسطيني مُجَـرّدَ نموذج مصغَّر لما سيحدث للشعوب العربية المشمولة بالخارطة التوسُّعية لكيان الاحتلال الوظيفي الصهيوغربي.

ويبدو أن القوى الاستعمارية الصهيوغربية قد أوكلت إلى النظام الوظيفي السعوديّ مهمة الترويج لحل الدولتين؛ باعتبَار أن استمرار هذه القوى في الترويج لهذا الحل لم يعد مُجديًا بعد ترويجها له سابقًا لأكثرَ من سبعين عامًا، ولن يكونَ هذا الترويجُ مقبولًا، خُصُوصًا في ظل تلازُمِه مع شراكة هذه القوى في اقتراف أفعال جريمة الإبادة الجماعية منذ أكثر من عام بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وامتداداتها إلى الضفة الغربية والضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، ومن ثَمَّ فتكليفُ النظام السعوديّ في الظرف الراهن بمهمة الترويج للتحالف الدولي لحل الدولتين يرفعُ الحَرَجَ عن القوى الاستعمارية الغربية، ويمكِّنُها من التفرغ لتنفيذ مشروعها الاستعماري القديم الجديد في المنطقة العربية.

ولا بد للشعوب العربية من مواجهة زيف وتضليل القوى الاستعمارية الصهيوغربية، خُصُوصًا ما يتعلق بالترويج للتحالف الدولي لحل الدولتين، وتكليف هذه القوى للنظام السعوديّ الوظيفي بتبنِّي هذا الزيف والتضليل؛ للاستمرار في إيهام الشعوب العربية وبأدوات عربية بإمْكَانية تحقّق وَهْمِ حَـلّ الدولتين بعد أكثر من سبعين عامًا من الترويج لهذا الوَهْمِ، ولا بد للنخب العربية من الاستفادة القصوى من وسائل الإعلام المتاحة ووسائل التواصل الاجتماعي في إحداث تأثير إيجابي لدى الشعوب العربية يكشف بكل وضوح حقيقة ما تروج له القوى الاستعمارية الغربية من خلال أدواتها في المنطقة العربية حول ما سُمِّيَ بالتحالف الدولي لحل الدولتين، الذي لا يختلف في جوهره عن ما سبق الترويج له من قبلُ عقب صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي انتهى بمصادَرة الأراضي الفلسطينية وأجزاءٍ من الأراضي اللبنانية والسورية.

ويعد لجوءُ القوى الاستعمارية الصهيوغربية لإعادة الترويج لحل الدولتَينِ بصيغة تحالف دولي، وتكليف النظام السعوديّ الوظيفي بهذه المهمة هدفُه الأَسَاسي مواجَهَةُ جهود محور المقاومة في كشف زيف وتضليل القوى الاستعمارية الغربية، وتمويه شراكتها في جريمة الإبادة الجماعية، واحتواء أية تحَرّكات شعبيّة ناتجة عن احتمالات تنامي مستوى الوعي الشعبي في الساحة العربية والإسلامية بالمخاطر المحدقة بها من جانب هذه القوى فتتحَرّك الشعوب لمناهضة جرائمها.

وبكل تأكيد سينتهي الترويجُ للتحالف الدولي لحل الدولتين بمصادَرة أراضي عددٍ من شعوب الأُمَّــة العربية وتهجير سكانها قسريًّا وإبادة مَن يتمسك منهم بالبقاء فيها، ولن يكونَ حالُهم أفضلَ من حال أبناء الشعبَينِ الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية واللبناني في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وحينها لن تكونَ خريطةُ دولة “إسرائيل الكبرى” مُجَـرَّدَ امتداد جغرافي افتراضي، بل ستكون سيطرةً فعليةً وسيترتب عليها تهجير قسري وإبادة جماعية.

ولمواجهة هذه الكارثة، وللحيلولة دون وقوعها على نطاق واسع في الجغرافيا العربية؛ فالواجب يحتِّمُ اليومَ على شُعُوب الأُمَّــة العربية تشكيلَ تحالف شعبي لمواجهة الوجود الاستعماري الصهيوغربي على امتداد النطاق الجغرافي للأُمَّـة العربية والإسلامية عُمُـومًا؛ فهذا التحالُفُ هو الكفيلُ بالحفاظ على الجغرافيا العربية، واستعادةِ الأراضي الفلسطينية، وليكُن العنوان الكبير هو (التحالُف الشعبي العربي الإسلامي) بديلًا عن (التحالُفِ الدولي لحل الدولتَينِ).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com