هزيمةُ اليهود.. وزوالُهم حتمي لا شك فيه
طلال محمد الحمامي
لم يكن الصراع العربي الصهيوني إلا حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل، ولكنه صراع تميّز بالعمق والأثر البالغين، وترك ندوبًا لا يمحوها الزمن في قلوب أُمَّـة كانت وما زالت ترى في فلسطين جذوة الكرامة وأيقونة الصمود. الصراع هنا ليس على أرضٍ فحسب، بل هو صراع عقائد ومبادئ، تلتف فيه المؤامرات وتتكالب فيه الأهواء، حتى أضحى كبحر تتلاطم فيه أمواج العناد والتطهير بوجه أمواج الظلم والاغتصاب. وإن الهزيمة لآتية، وإن الزوال لقريب، فالموعد في لوح القدر مكتوب، والأيّام قُدِّرت لتكون شاهدة على ذلك المصير المحتوم.
إن زوال هذا الكيان الغاصب حقيقةٌ راسخةٌ في نفوس الموقنين، فما من أُمَّـة على مر التاريخ إلا واندثرت إذَا ما بنت وجودها على الظلم وسفك الدماء. حتى إن في تلمودهم نفسه تنبيهًا على استحالة استمرارهم كأمة واحدة متماسكة لأكثر من ثمانين عامًا، وها هو زعيمهم نتنياهو في خضم معركة (طُـوفَان الأقصى) يقر في لحظة ضعف بخشيته من انهيار كيانهم الهش.
لقد كانت نكبة 1948 هي الشرارة التي أوقدت جذوة المقاومة الفلسطينية، إذ أعلن حينها عن إقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي، واعتُدي على الحق العربي، ونُكِّب الشعب الفلسطيني بتهجيره قسرًا عن أرضه التي عاش عليها أجيالًا، يحملها في قلبه وذكرياته، فما تركها إلا وقد عزم على العودة إليها مهما طال الزمن. وقد شكّلت النكبة حلقة لا تُنسى في سلسلة الصراع التي لا تزال تدور حتى اليوم، وتبقى شاهدًا على ظلم الاحتلال الذي يستمد استمراره من الدعم الأعمى والاستعمار الغربي.
عبر التاريخ، لم يتمكّن هذا الكيان الصهيوني الغاصب من تحقيق النصر الكامل على الأُمَّــة إلا حين كانت تفتقر إلى الجهاد الحق وتفتقد الوحدة التي دعا الله إليها، فقد خاض العرب حروبًا عديدة، ولكن ضعفهم كان يكمن في ابتعادهم عن النهج الرباني ووحدتهم، ومع ذلك، لم يخلُ التاريخ من مواقف انتصار مقاومة الإسلاميين الصادقين، كحزب الله، الذي أثبت أنه بالقوة المستمدة من الإيمان والعزيمة، يمكن دحر الاحتلال مهما عظُم بطشه، وأن إرادَة المقاومة تنسف أُسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”.
إن وصف القرآن للذين يهرولون نحو التطبيع مع الكيان الغاصب، ويمدون أيديهم بمودة إلى من احتل أرضهم، لم يأتِ إلا ليكشف عن ضعفٍ في نفوسهم، فقال الله تعالى: “فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ…”، ولئن ظهروا على هذه الحال فَــإنَّ النصر آتٍ، وأمل التحرّر قريب، ووعد الله آتٍ، فهم سيصبحون نادمين على ما أسروا في نفوسهم من خيانة وذلة.
لم تكن كراهية اليهود للإسلام وليدة اللحظة، فقد ظهروا في الجزيرة العربية مع بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا في بنو النضير وبني قينقاع وغيرهم، يُظهرون العداء والحسد تجاه الإسلام وأمته، طامعين بأن يكون النبي الخاتم منهم، حتى، إذ تبين لهم أنه من العرب، اشتد حقدهم وبغضهم، وأخذوا يكيدون للإسلام ولرسوله، وتمادوا في دسائسهم حتى حاولوا اغتياله، ورغم كُـلّ مؤامراتهم، بقيت حماية الله فوقهم، وعزّة الإسلام في اتساع، فكان أول ردٍّ على تآمرهم أن طُردوا من المدينة، ليبقى طردهم حتميًّا من فلسطين ومحتومًا في كُـلّ بقعة ظلموا فيها شعبًا أَو سلبوا فيها أرضًا.
لن يكون هذا الكيان الصهيوني إلا عبرة لكل محتلّ، فالأرض التي بُنيت على الظلم ستهوي يومًا ما، فلا مقام للباطل تحت شمس الحق. وعد الله بزوال الظلم قد كُتب، ودوام الحال من المحال، وها نحن نعيش زمنًا ترتفع فيه أصوات الحق وتتساقط فيه أوهام الكذب والظلم، ولسوف تزول غطرسة هذا الكيان يومًا، ويعود الحق إلى أصحابه كما وعد الله، وكما حدّد التاريخ، وكما أثبتت سنن الكون.