الصبرُ ظفرٌ ودين ونصرٌ وفوزٌ مبين
ق. حسين بن محمد المهدي
مما لا ريب فيه أنه ليس لقوة الإنسان وإن تمت فضل عن قضاء حق الله عليه، ولا لقدرته وإن عظمت فضلٌ عن القيام بشكر ما أسداه الله إليه، ولا لعمره وإن طال فضل في إصلاح شؤون دنياه ودينه، ولا لماله وإن كَثُرَ فضل عما يصون به عرضه، ويحفظ به مروءته، ولا لمنصبه فضل عن الجلوس مع العابدين المتقين، اقتدَاءً بخاتم النبيين، المنزل عليه في القرآن الحكيم، (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ).
فبالصبر على المشاق تبلغ المراد، فمن استعان بالصبر على أعماله بلغ مراده، وعمر بلاده، وقهر أضداده، وربح في تجارته، ونجح في إدارته وسياسته، فهو جماع الأمر، ونظام الحزم، وعلة الفلاح، وسبيل النجاح، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وإذا نظرنا إلى انفراط عِقد الحياة في كثير من الأمور الاقتصادية، والاجتماعية، والتربوية، والسياسية، والعسكرية، نجد أن أكثر ما يؤدي إلى ذلك هو قلة الصبر على بذل الجهد، وتحمل المشاق، والركون إلى العجلة والاسترخاء، وإظهار التأفف، وعدم الصبر إلى حين وقت حصاد الثمرة.
ولذلك السبب ربما يحرم الإنسان نفسه من حصاد ثمرة فعله، ومن حرم ثمرة فعله زهد في معاودة مثله.
والإنسان لا يبلغ مراده بغير جد واجتهاد، وصبر وجلاد.
فالصبر مفتاح النجاح، وسبب الفلاح، ومفتاح الفرج.
فمن علامات حسن النية الصبر على الرزية، فهو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولهذا أوصى به العزيز الحكيم فقال: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ).
فالصبر لا يعني الاستكانة والخنوع، ولكنه يعني الإقدام على نصرة دين الله، وتحمل المكاره، ورد العدوان بمثله حتى النصر، فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
وفي الحديث الذي أوصى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ابن عباس “يا غلام احفظ الله يحفظك…، واعلم بأن النصر مع الصبر”.
وهذه الصهيونية اليهودية تعربد في أرض فلسطين ولبنان، وتقتل الشيوخ والنساء والصبيان، ومقارعتها يحتاج إلى صبر على المشاق، وبذل النفس والمال، للحصول على رضى رب العباد، واحتساب ما يحصل من مصائب عند الله.
ولقد ضرب الفلسطينيون في غزة وحزب الله في لبنان مثلاً أعلى في الصبر على المكاره، والرد على العدوان بمثله، كما فعلت ذلك الجمهورية الإسلامية في إيران، وأنصار الله في اليمن.
فالواجب الشرعي، والأخلاقي، والإنساني، والإسلامي، والسياسي، يقتضي الرد على العدوّ الصهيوني بقوة وعزيمة وصبر وثبات، (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ)، (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ).
وما الجهاد إلا الصبر على المكاره، وبذل النفس والمال، والاستمرار في مكافحة العدوّ الصهيوني حتى النصر.
فمن استعان بالصبر في جهاده، لهذه الفئة الباغية من الصهيونية ورد العدوان بمثله أدرك أمله، وصلح عمله، وانتصر وحصل له الظفر، ولم يجعل الله لأحد سبيلاً عليه، (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئك ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ)، وكان صبره في جهاده دليلاً على إيمانه وصدقه وفلاحه، دل على ذلك قوله تعالى: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئك الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئك هُمُ الْمُتَّقُونَ).
فكيد الصهيونية اليهودية في ضلال، ودولتهم إلى زوال، (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ).
وإنما هو ابتلاء يؤجر فيه أهل الإيمان كما أخبر بذلك الرحمن (لَتُبْلَوُنَّ فِي أموالكُمْ وَأنفسكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
فالصبر عزيمة ورشد، وقوة وإيمان، وشجاعة وإقدام، وفي الذكر الحكيم: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).
فالشجاعة هي الصبر على مكاره الجهاد، فمن رزقه فقد رزق الخير كله، وفي القريب العاجل بإذن الله تندحر الصهيونية، ويفرح المؤمنون بنصر الله، والله ينصر من نصره، وما ذلك على الله بعزيز.
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء.