في قلب الصراع.. الإعلامي وقطعة الإسفنج!

عبدالكريم الوشلي

العالم اليوم تحكمه الكلمة والصورة. الكلمة والصورة وجها عملةِ الخطاب الأعلى صوتًا اليوم، والمنطقِ الذي يستميت الطغيان العالمي في توظيفه حصرا لصالحه ولخدمة مشاريعه الأنانية الاستئثارية في إخضاع المجموع البشري لما يريد، على طريقة الفرعون المضروب مثلًا خالدًا في القرآن الكريم “لا أريكم إلا ما أرى”..

وفرعون العصر أمريكا ومنظومتها الهيمنية الغربية الطاغية يشكلان المثال المعاصر الحي لهذه الاستماتة في سبيل إخضاع الجميع بكل الوسائل، التي يقوم أغلبها على القهر والقسر والإخضاع بل سفك الدماء والتدمير والإبادة لو اقتضى الأمر..

وفي هامش أَو موازاة هذا المسار الظلامي الملفع بالأضواء الكاذبة الخادعة، تنهض الأسلحة الأُخرى التي لا تقل خطرًا وفتكًا وأثرًا وفاعلية، أسلحةٌ من أهمها وأخطرها الإعلام.

هنا ولأجل التطويع والتتبيع رأينا ونرى الأرض والفضاء والهواء مسخراتٍ لصورة متكلمة تُطلق جحافلها من كُـلّ الاتّجاهات والفضاءات، وتتناسل -في تطور مذهل- تقنياتُها المذهلة، والهدف لكل هذا السعار الهجومي المحموم واحد.. إنه العقل، الذي هو، ويا لَلمفارقة العجيبة!، المستهدِفُ والمستهدَف.. الفاعلُ والمفعول.. المهاجم والمدافع في الآن ذاته!

نحن إذَا في معترك كوني يتصدر أسلحتَه الإعلام، ونحن كعرب وكمسلمين في قلب المعترك وفي عين عاصفته الهوجاء الناعمة التي لا تدنو في خطرها ومفاعيلها عن عواصف النار التي لا تتوقف قنابلها المنتَجة في مصانع أمريكا والغرب الأطلسي عن حصاد أرواح الأطفال والنساء وسائر مظاهر الحياة، وهي اليوم في ذروة ضراوتها الجنونية في غزة ولبنان..

إن حالنا مع سلاح الإعلام هو حال الواقف في ذروة الظمإ القاتل على مورد ماء لا مجال للتفريط بقطرة واحدة منه، والشأن لا يختلف مع الأسلحة الأُخرى، فنحن في جبهة مصيرية لامثيل لها في أحجام مخاطرها وتحدياتها، ولا نظير لشراسة وخبث ودموية العدوّ الذي نواجهه فيها..

عدوٌّ ذقنا على أياديه وركائزه على مدى عقود مراراتِ الفساد والاستبداد والتخلف والأمية، واليوم أطل برأسه متوِّجا كُـلّ تلك المآسي والمرارات بفعله المباشر في إسالة الدماء وهدم البنيان مستعينا بما أجاد صُنعَه وتنميتَه من آفات وقفازات لجرائمه في صفوفنا..

هذه الاعتبارات والحيثيات تجسِّم مسؤولية ومهمة كل منتمٍ إلى الجسم الإعلامي المنخرط في خندق شرفاء هذه الأُمَّــة وأحرارها ومجاهديها (محورِ القدس والجهاد والمقاومة) وتحتم عليه أن يُحسن الإصغاء إلى صوته الداخلي قائلًا له: إنك كإعلامي “لا تقول كلامًا طائرًا في الهواء”.. أنت تضع بذورًا في أوسع وأخصب مساحات الوعي الجمعي، وتحصد مع الملايين في هذا الرحب الموضوعي والإنساني الواسع والعريض ثمار زرعك ومجهودك في أوسع وأبرك أبعادها. أنت تتكلم والعالم يسمع، لكن يجب ألَّا يسمع فقط، بل أن يندفع إلى ساحة الفعل الملموس والمبادرة المسهمة في ردع الطغاة والمعتدين وإنصاف الأُمَّــة المظلومة.

لا يكفي أن تكون مبدعًا كإعلامي، بل يجب أن تكون حساسًا ويقظًا ونبيهًا، ولا يكفي أن تكونَ منفعلًا بل فاعلًا؛ لأَنَّك -ببساطة- كقطعة الإسفنج التي تمتص كُـلّ ما ينبثق من هذه الروح المحاصرة بالمآسي والنكبات وشرور الأعداء وجسدِها المثخن بالجراح لتعيد إنتاجه روحا جديدة مفعمة بالإيمان وعنفوانِ التحدي والصمود والإصرار على مواجهة أعدائها مهما كانت إمْكَاناتهم وأيًّا يكن مستوى قساوتهم وإجرامهم ووحشيتهم ودمويتهم حتى دحرهم وإنقاذ الأُمَّــة والبشرية من عتوهم وشرورهم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com