القيادة الرشيدة: سِرُّ استمرارية الحركات وصمودها
رهيب التبعي
في تاريخ الأمم والشعوب، تبرز بعض الحركات التي تملك القدرة على الصمود في وجه الأزمات، وتبقى قويةً رغم التحديات الكبيرة، وسببُ ذلك يعودُ إلى الرؤية الحكيمة والقيادة الرشيدة التي تعتمدُ على اختيار نواب ومساعدين أكفاء يحملون نفسَ الرسالة والقيم.
هذه القيادة تعرف أن دوام الحركة واستمرارها مرتبطٌ بوجود خلفاء مستعدين لتحمل المسؤولية إذَا ما فقد القائد. وهذا النموذج تجسده اليوم حركاتٌ مثل حزب الله وحماس، حَيثُ أثبتت تجاربُهم أن القيادة التي تسعى لتحقيق الأهداف السامية هي القيادة التي تخطِّطُ للمستقبل وتستعدُّ له.
فالقائد الحقيقي هو الذي يرى مصلحةَ الأُمَّــة وحركتَه فوق مصالحه الشخصية، ويدرك أن الاستمرارية تعتمد على وجود قادة آخرين أكفاء. إنه لا يخشى مشارَكةَ السلطة مع من حوله، بل يضع ثقتَه فيهم ويمنحهم القوة لتكملة المسيرة. فالاستشهاد أَو الوفاة لن يكونا نهايةَ لهذه الحركات، بل نقطة انطلاقة جديدة نحو الاستمرار؛ لأَنَّ من يتولون المسؤولية بعدها يحملون نفسَ الثقل ويواصلون الدرب دون تردّد أَو خوف.
وفي المقابل، نجد بعض القادة الذين يعتمدون على مصالحهم الشخصية دونَ اهتمام بالمصلحة العامة، ويختارون مساعدين ضعفاء وتافهين ليضمنوا بقاءَهم على رأس السلطة، دون أي قلق من تهديد قد يأتي من نوابهم. هؤلاءِ القادةُ، كما في نموذج علي عبد الله صالح، يرَون في تهميش الآخرين وإضعافهم وسيلةً للسيطرة، معتقدين أن بقاءَهم مرهونٌ بضعف من حولهم. لكن النتيجة غالبًا ما تكونُ انهيارَ النظام بأكمله بعد رحيلهم؛ لأَنَّهم لم يؤسِّسوا بنيةً قويةً تستمرُّ بعدهم.
التاريخُ يعلِّمُنا أن القيادةَ ليست في الاستحواذ على السلطة، بل في التخطيط لبناء أجيال من القادة المستعدين لتحمل المسؤولية، الذين يستمدون قوتهم من القيم والمبادئ، وليس من المصالح الشخصية.