مراهناتٌ على نجاح حكومة التغيير والبناء.. وزارةُ الخدمة المدنية والتطوير الإداري أُنموذجًا
المسيرة| د. محمد قاسم علي العاقل
نتابِعُ ما حصل لبعضِ قِيادةِ حُكومةِ المرتزِقة، من صِراعِ الفِسادِ بين مدير مكتب رئيس الوزراء والأمين العام للمجلس، وهو صراعٌ وبلطجةٌ يندى لها الجبينُ، وحَدِّثْ ولا حَرَجَ عن رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، وكذلك ما يسمى “مجلس القيادة” الذين فسادُهم يزكم الأنوف وارتهانُهم وتعيينُهم وتسييرُهم من القوى الخارجية المعادية لليمن.
وبالمقارنة مع حكومة التغيير والبناء ببرنامجها المختصر والعملي، ونزاهة معظم أعضائها -إن لم يكن كاملها- نجد أن تعيين الحكومة خضع لمعاييرَ دقيقةٍ تستلزمُها الولاية، وتحمل أعباء مسؤولياتها كما ينبغي؛ لأَنَّ الولاية بمثابة الأمانة التي تتطلب من متوليها أن يخلص للعمل على تأديتها؛ فهو مسؤولٌ عنها ومحاسَبٌ على أدائها وتحمل مسؤوليتها في الدنيا والآخرة؛ فمَن قَصَّرَ في ذلك فهو معاقَبٌ، ومن أوفى بحقها فهو مثابٌ وقد أفلح.
والعلم والفقه والورع والمؤهَّل والتقوى، لا تكون مسؤولياتها كافية لوحدها ولا تمثل الصفات أَو الشروط الكافية للتولية ولتحمل المسؤولية، إنما لا بُـدَّ من توفر شروط ومواصفات أُخرى مضافة لتلك المواصفات، مثل: المقدرة والكفاية وحُسن التدبير لأمور الدنيا والتصرف السليم والقدرة على حسم المواقف ومعالجة المشكلات الحياتية للمواطنين، وغير ذلك.
إن التولية أمانة ونيابة ووكالة، وهي ولايات المسؤوليات والمهام، والمسؤولية ملازمة لكل صفة منها، التي تتطلب القدرة والقوة، بحيث كُـلّ من لا يؤدي مسؤوليته على أَسَاس من هذه الاعتبارات سينالُهُ الخزيُ والندمُ في الدنيا والآخرة.
والتفريطُ بالأمانة مجلَبَةٌ للخلل والفوضى، خَاصَّةً إسنادَ الولايات إلى غير الأكفاء؛ لذا كان الواجب يُحتِّمُ على قائد المسيرة القرآنية أن يتأنَّى بتعيين أصلح الموجودين، واقتران التولية بالقوة والعزم (وقد فعل ذلك)، والقوة تعني: القدرة الراجحة إلى شجاعة القلب والخبرة والعلم والعمل بالعدل والإصرار على تنفيذ توجيهات قائد المسيرة بالاحتكام إلى الشريعة الإسلامية وعدم مخالفتها، واقتران التولية بالقوة والعزم والإرادَة والإدارة الحكيمة التي تتطلب الكفاءة والفاعلية، وتكون هنا القوة معبرة عن الإحاطة الشاملة لمتطلبات أداء المهام بخبرة واحتراف دقيق شامل لمتطلبات الأداء الوظيفي الرفيع، المعبر عن مصالح المواطنين وتسهيل معاملاتهم؛ إعمالًا لقاعدة أن: “التولية تكليف وليست تشريفًا”، وفي كُـلّ هذا تزكية واضحة في اعتبار الدافع الديني والأخلاقي، من أقوى الدوافع الداخلية العميقة التي تستند إلى القيم المعنوية بأكثرَ مما تستند إلى الحوافز والدوافع المادية؛ إذ تتم الأعمالُ وتؤدَّى المهامُّ بإتقان وتبصُّـــر وقدرة، تفوق درجة الاندفاع والاتقان المترتبة على أي مؤثر آخر، كالأجور والرضا.
من هذا يُفهَمُ، أن الولاية محطٌّ للمحاسبة، ومحكٌّ لكشف التأسف والندم حيال التصرفات المستبدة، وإنها سبب إقامة العقاب عند التفريط في أدائها؛ إذ إن العدل والإنصاف أَسَاس قيامها في إنفاذ الحقوق والواجبات دون مجاراة أَو محاباة.
إن عمليةَ التوظيفِ تخضعُ لسلسلةِ خطوات وإجراءات فنية يتم على ضوئها اختيار الموظف وتعيينه وإحلاله في الوظيفة العامة تبعًا وتطبيقًا لشعار “الرجل المناسب في المكان المناسب”، مع مراعاة أن الشعار ينقصه أن يكون المناسب من جميع النواحي وأن يجمع العلم والخِبرة وأخلاقيات المهنة ونظافة اليد واللسان، وَإذَا تفاوتت هذه الإجراءات عند إدارات بعض الدول، فذلك راجع إلى ضرورة التكيف في الوسائل المعتمدة، مع الظروف والإمْكَانيات البيئية والبشرية المحيطة بها.
ومن هذه المفاهيم في تولي المناصب القيادية في الدولة، تم التقاط موجهات ومحدّدات تشكيل حكومة التغيير والبناء، وتوافق برنامجها مع الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة 2030، ومع مضامين تعليمات قائد الثورة المباركة أثناء لقائه برئيس ونواب ووزراء الحكومة، والتي بدأها بعنوان حكومة التغيير والبناء بأن قال: “أهميّة إدراك أن هذه الحكومة تأتي قي ظروف حسَّاسة جِـدًّا واستثنائية، ولمهمة ودور في جانبها يختلف عن كُـلّ ما قد مضى، وأن الشعب ينتظرُ ماذا ستقدِّمُ له هذه الحكومة، وكذلك الأعداء من جانبهم يتربَّصون بها، وأهميّة استيعاب مفهوم “التغيير والبناء”؛ إذ إن التغيير عنوان مهم جِـدًّا، وهو يبدأ من داخل النفوس، كما قال الله تعالى: “إنَّ اللهَ لا يُغيِّرُ مَا بقومٍ حتى يغيِّروا مَا بأنفسهم”، وإنّ الله هو الذي يتدخل بناءً على ذلك ويغيِّرُ أحوال العباد، وكذلك عنوان البناء مهم جِـدًّا؛ بناءً على ذلك، فالعون للحكومة يبين ما هو منوط بها من مهام ومسؤوليات جسيمة”.
وبعد ذلك وجَّهَ بتوصيات مهمة للتنفيذ، وهي توصيات تتعلق فيما بين الإنسان وبين الله -سبحانه وتعالى- “9 توصيات”، وتوصيات تتعلق بالجانب العملي “14 توصية”، واختتم ذلك بتوصيات عامة “7 توصيات”.
“وعلى طريق التغيير الجذري الذي يجب أن يترافق معه توجّـه شعبي وتحَرّك فاعل؛ مِن أجلِ تغيير هذا الواقع؛ لأَنَّ تغييره يتطلب تحَرّكًا شاملًا من الجميع وتغييرًا يبدأ من الأنفس”، وهذا التوجيه من السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي –يحفظه الله- كان عشية ذكرى المولد النبوي الشريف 1445هـ.
ومن خلال المشاهدة والتتبع فَــإنَّ الحكومة رغم قصر توليها لمهامها؛ أنجزت الشيء الكثير، وكنموذج لذلك وزارة الخدمة المدنية والتطوير الإداري التي أنجزت وعملت على هيكلة حكومية مرنة وذات كفاءة مصممة حول أولويات التغيير والبناء، وتمْتثِل إلى أسس الحوكمة الرشيدة وتعزز الشفافية والمساءلة، والوصول إلى بنية تنظيمية وهيكلة حكومية مصغَّرة، وغير معقَّدة، ومتكاملة، وذات كفاءة، ومحورها خدمة المواطن، ومستعينة بالموجهات الأَسَاسية لحكومة التغيير والبناء؛ وقد أسرعت بإعادة هيكلة معظم الوزارات والأجهزة الحكومية، وهو عملٌ روتيني للوزارة، إلا أنه يتميَّزُ عن سابقيه باتّفاقه مع المبادئ الإدارية الحديثة في إعادة اختراع الحكومة وهندستها، وبهياكلَ مصغَّرة ومفهومة وإمْكَانية تنفيذها على أرض الواقع، والأهم من ذلك وجود قيادة شابة مؤمنة بالتغيير والبناء ممثلة بالوزير ونائبه، المؤمنَينِ بأن إنشاء وزارة الخدمة والتطوير الإداري من خلال إحداث تحوّل جذري في دور ديوان الوزارة لتصبح خلية نحل تعمل؛ فقد شاهدتُ نائبَ الوزير يقابل المواطنين كُـلّ يوم في إدارة خدمة الجمهور ومعه طاقمه من المُديرِين والمختصين، ويعمل جاهدًا على حَـلّ المشاكل بروح مسؤولة متجاوزًا الروتين والبيروقراطية، وكذلك يفعل الوزير كما سمعت، وهما يعملان بروح الفريق الواحد، ومتجاوزين الحاقدين ومرضى النفوس الذين هدفهم عرقلة عملية التغيير والبناء، ولكن هيهات؛ فروح القيادة الشابة وطموحها تتجاوز أية عقبات وعراقيل، وهذا رهاننا على نجاح عملية التغيير والبناء؛ الذي تراهن عليه القيادة السياسية في البلاد، وحكومة التغيير والبناء تحت المجهر بالمتابعة والتقييم، وليس هناك عذر لمن يفشل في تحقيق النجاح المنشود للتغيير الجذري والذي بدأ بهذه الحكومة، ونجاحها سيجعل عجلة إعادة اختراع الحكومة والتغيير الجذري شعلته تتقد، ولن تنطفئ هذه الشعلة إلَّا بتحقيق جميع التوجّـهات الفكرية لقائد المسيرة القرآنية، بإخراج اليمن إلى بر الأمان، مستفيدين من الحكومات السابقة متوشحين بنجاحها ومتجنبين سلبياتها بخيال واسع لعمليات التغيير الجذري، الذي بدأ دون استئثار واستبداد، ودون تحيزات مؤثرة في سياقات التولية وضوابطها، وبعيدًا عن التخبط بمقاصد الأمور؛ فالتولية تمثل عملًا عباديًّا وجهاديًّا وأخلاقيًّا.
وفي الأخير فَــإنَّ الحكومةَ غيرُ محصَّنَةٍ من الرقابة والتقييم والمساءلة، وتباشيرُ التفاؤل ومؤشراتُه كنموذجِ نجاحٍ مشاهَدٍ جاءت من وزارة الخدمة المدنية والتطوير الإداري، وأتمنى على من يشكك في مصداقية هذه الخاطرة أن يزورَ خدمة الجمهور في الوزارة وسيرى بأُمِّ عينَيه ما لم أستطِعْ نقلَه في هذه العجالة.