غزة.. قممٌ عربية و “شرق أوسط جديد”!
دينا الرميمة
من بين أحضان الموت الذي أسقطه الصهاينة على غزة واستوطن فيها طيلة شهر وعام، بكل وسائله من القنابل والصواريخ، إلى الجوع والحصار، وكلاب ضارية حيوانات وبشر يتلذذون بالقتل ومشاهد التدمير، تقف غزة شامخة وحيدة تقاوم مشروع التهجير والاستيطان والتمدد إلى ما بعدها من أراض لدول يفصل ما بينهما جدار؛ في حال هي سقطت بأيديهم ضمن مشروع توسعي تقوم على إثره دولة “إسرائيل الكبرى” والممتدة من النيل إلى الفرات، تتحكم بالمنطقة وتخضعها لهيمنتها سياسيًّا واقتصاديًّا بخط يربط بين الهند وغزة، وحتى ثقافيًّا تتحكم بالمناهج والإعلام وكلّ ما يغرس في الأذهان أفكارهم حول مسمى الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنت عنه “كونداليزا رايس” عقب حرب تموز 2006 بالقضاء على المقاومة والفوضى الخلاقة!!
وهو ما أعلنه “ناتن ياهو” بعد اغتيال السيد نصر الله، عن شرق أوسط ليس فيه فلسطين ولا مقاومة!! وربما كان سموتريتش أكثر تواضعاً حين حدّد امتداد دولته إلى جزء من لبنان والأردن وسوريا ومصر والسعوديّة والعراق!!
غير أن غزة التي تبرق للعالم رسائل عن أسمى معاني الحرية والكرامة والتشبث بالهوية هي اليوم العائق والمترس في وجه المشروع الصهيوني، تكافح لأجل كرامة أُمَّـة، وتخفي في باطنها وجع الخذلان بمقاومة يسعى الصهاينة لمحو أثرها كخطوة استباقية تمنع تشكيل أية مقاومة على بقية الأرض التي ينوون التمدد إليها.
كان يستدعي على العرب أن يقفوا في وجهه ويتمترسون معها في معركة هي معركتهم كما تمترس الغرب مع “إسرائيل” إلا أنهم تركوها تعتصرها المأساة والخذلان بين فَكَّي الصهاينة وأسلحة الغرب وقمم مجلس الأمن العاجز عن اتِّخاذ قرار يكسر عنجهية نتن ياهو، وعلى شبيهتها قمم عربية لا تأتي لفلسطين بخير، لن يكون آخرها القمة التي تنوي السعوديّة عقدها في الحادي عشر من نوفمبر الجاري، للمطالبة بحل الدولتين مقابل إعلان تطبيع ليس وليد القمة، وهي من فتحت جسرًا بريًّا للكيان تعويضاً عما منعه عنه اليمن في حصاره للسفن في البحار!!
تأتي هذه القمة والكيان الصهيوني يحاصر ليس فقط غزة، بل كُـلّ فلسطين مؤخّرًا عبر حظر خدمات الأونروا عن غزة وكلّ فلسطين، كان الأحرى أن تكون مطالبها وقف الحرب والحصار مقابل قطع العلاقات السابقة مع الكيان والدول الداعمة له؛ كون التطبيع لن يأتي إلا بما أتت به اتّفاقيات السلام والتطبيع السابقة من تقييد الأيادي عن نصرة فلسطين، وأن حَـلّ الدولتين هو نفسه ما جاءت به أوسلو والذي لم يكن سوى اعتراف بالحكم الذاتي للكيان الصهيوني على معظم أرض فلسطين، لم يوقف شهيتهم عن قضم البقية من فلسطين في القدس والضفة الغربية، التي تبعثرها إلى أشلاء مستوطنات هنا وهناك، بها أَيْـضًا حاصروا غزة وجعلوها أشبه ما يكون بسجن مفتوح تمهيدًا لاحتلالها عبر الإجرام الذي يمارس اليوم عليها تحت عنوان القضاء على حماس وشعار لتصل صرخة الدم إلى السماء.
وبالتالي فهذه القمة ومطالبها ليست إلا مبرّرات وذرائع تعفيهم من الدخول في المعركة وتخلق أهدافاً لمعركة جديدة مع محور المقاومة!!
غير أن ما لا يفهمه الصهاينة والمطبِّعون أن المقاومة لم تكن يومًا مرتبطة بشخص أَو جماعة إنما هي فكرة ولدت من رحم الاحتلال والتآمر على الأرض وظلم الأنظمة التي تستبد بالشعوب، امتلأت قلوب حامليها قادة وجندًا حُبًّا للأرض وشغفًا بالكرامة، تشتد كلما سقطت الدماء وارتقت الأرواح، وتكبر في قلب جيل حين يرى دم أهله مسفوكًا على الأرض، لن يجبن بل سيكبر ويكبر معه الحقد والثأر وإرادَة تضاهي بها قوة الغرب، التي مدوا بها الكيان ولهم مآربهم من مشروع الشرق الأوسط!!
ومن يتوجب على الشعوب العربية أن تنتفض في وجه أنظمتها العميلة وتكالب بتوحيدٍ للصف ومعركة تحرير غزة وكلّ فلسطين؛ الأمر الذي سيكفيهم شر دور ينتظرهم لا يقل مأساة عما تعيشه غزة، وربما لم يصمدوا كما صمدت غزة، التي جرعت الكيان الصهيوني مر الهزائم وجعلته يترنح في موازين الخلافات مؤشرًا كَبيرًا على اقتراب الزوال والعودة إلى سابق عهده بلا دولة ولا وطن.