ويسألونك عن السيد حسن فقل: (هو الروح)
جهاد اليماني
(وَيَسأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أَمرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ العِلمِ إِلَّا قليلًا).
كان يقيم في الضاحية وكنا نحن في أوطاننا نتفيأ ظله الوارف هدوءً وسكونًا واستقرارًا.
نتنفَّسُهُ ولاءً وحبًّا واطمئنانًا، تنبض قلوبنا به عزةً وكرامةً وسموًّا ورفعةً واعتزازًا.
تسري ابتساماته وكلماتهُ ونبراتهُ وهديهُ ونورهُ وطلتهُ وعزتهُ وإبائهُ وعنفوانهُ في العروقِ وتجري في الدماء فتمدنا بطاقةٍ معنويةٍ إيمانيةٍ لا حدود لها.
كان يقيمُ في الضاحية لكنه كان بالنسبة لنا روح تبث الحياة في الأجساد، نستشعر أثرها رغم بعد المسافات وتباعد الإطلالات؛ والدليل على ذلك أنها كانت تمر أَيَّـام دون رؤيته ودون سماع صوته لكن قلوبنا مطمئنة ومشاعرنا هادئة ساكنة وسبب هذا السكون والهدوء والاطمئنان وجود الأمين في الضاحية إكسير الحياة أَو بالأحرى الروح التي لا يعلم كنهها وماهيتها إلا الله عزوجل.
واليوم وبعد مرور أربعين يومًا على رحيل الروح ونحن نعيش التيه والفراغ واللهفة والدمعة والحرقة وكل تفاصيل أيامنا تنبئ عن انتزاع شيء عظيم منا؛ ولنملأ هذا الفراغ ملأنا أعيينا بصوره وملأنا وجودنا بصدى صوته وهديه، فأصبح حضوره أكبر في تفاصيل أيامنا لكن هذا الحضور يجرعننا الغصص ويسقينا مرارة الفقد، فأيامٌ تخلو منه هي بلا شك جسدٌ بلا روح، وقلبٌ بلا نبض، حتى انتصاراتنا التي يسطرها رجاله وأبطاله تبدو بلا مذاق بدون سيدها ونبراسها وصانع مجدها.
لقد فقدنا الشغف في كُـلّ شيء؛ فكل فكرة، كُـلّ مشروع أنفقنا عليه الوقت والجهد في الفترة الماضية يبدو الآن -بعد مصابنا بشهيدنا الأقدس وفي ظل هذه الأحداث المزلزلة- تافهًا لا قيمة له؛ بل إن الابتسامة غير المقصودة أصبحت جرمًا لا يُغتفَر والسرور العابر خيانة عظمى تستوجب العقابَ والتأنيب!
حقيقة لم نكن نعلم ما يمثل لنا السيد حسن إلا بعد رحيله!! وكأنَّه العمر الذي تفلت ويتفلت من أيدينا دون أن نشعر.
وهنا في هذه الوقفة الأربعينية لا أدري كيف أخاطبك سيدي فمنذ فاجعة الرحيل وأنا أتهيب الكتابة عنك والوقوف بين يديك!! لكني قرأت الكثير والكثير مما كُتب فيك بكل ما في تلك الكتابات من شوق وحرقة ولهفة وكانت جميعها تعبر عما في وجداني وتنطق بما في قلبي وكانت جميعها متواضعة قاصرة أمام عظمة مقامك وجلال قدرك وفداحة المصاب بك،
ليتني سيدي في هذه الوقفة أستطيع أن أجمع ما وصف الله به أنبيائه ورسله لأصفك؛ فأنت قبس من نورهم وسر من أسرارهم، أنت نفحة من روح محمد الرحمة المهداة للعالمين والسراج المنير للأولين والآخرين، وأنت فرد بأمة كإبراهيم الخليل الذي عاش لله قانتًا حنيفًا مسلمًا، وأنت كموسى حجّـة وبرهانًا ونارًا وطوفانًا في وجه فراعنة الزمان وطواغيت العصر.
وأنت كجدك علي قسيم الجنة والنار، والنقطة الفارقة بين الإيمان والنفاق فلا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، وأنت حسين العصر إباءً وبذلًا وتضحية وشهادة حرارتها في قلوب المؤمنين لن تبرد أبدًا.
أنت شيءٌ عظيم في المخيّلة لم نستطع لإدراكه سبيلًا.