سيدُ القلوب وسلطانُها
زينب الحسن
على عتبات الوجع أقف، وفي ضفاف الأحزان أرسو، جسداً بلا روح، منهكة متعبة، كحال أُمَّـة بأكملها، أحمل قلمًا قاصرًا عن نسج الشعور، متبلدًا عن وصف الإحساس، وقصيرًا عن صياغة الخيال، بيدٍ مرتعشة؛ لأخط ما يختلجني ويختلج أُمَّـة بأسرها، من ألم الفقد، وجرح الحنين، في فقيد المنهج والقادة والأمة والمقدسات “سيد النصر” و”نصر الوجود”!
فبأي حرفٍ سأروي هول الفاجعة!!؟ وبأية قوة أتحمل جور الرزية؟!
وهذا الشعور لا البوح يكفيه، ولا الحرف يحكيه، ينطق اللفظ وتخنقه الغصة، وتعجز المعاني ويعتريها الخجل، وتتحدث المفردات ويعصرها الحنين، وتفقد اللغة أبجديتها وتتوسد عجزها، وتُكسر القواميس وتبدي استسلامها، فالبيان يتلعثم، والبلاغة والمصطلحات لا تتكلم.
كيف لها أن تقوى!؟ والخطب جلل والراحل “سيد القلوب وسلطانها” و”أنيس الأروح وبرهانها” عالي المقام وعلمٌ من الأعلام.
نعم، يحق لها أن تتوارى عن مثل هكذا حديث، وتعلن خيبتها؛ لأَنَّ طاقتها أدنى من أن تعبِّر عن مأساة الوجود، وفاجعة الأزمان.
نعم، سيدي فكل مفردات الوداع مرة، وكلّ معاني الفقد مؤلمة، وكلّ مصطلحات الفراق قاسية، ونحن بعدك في كربٍ وبلاء، كرب مصابنا بفقدك وبلاء موقفنا بعدك.
سيدي: لم نستطع تقبل هذا الخبر، ولم نستوعب فكرة عروجك، وأنت الروح لأجسادنا، والنور في ظلماتنا، والدليل في مسالك حياتنا.
سيدي: ها نحن اليوم على أريكة الحنين، نقلب أفئدة اللهفة، ونشخص أبصار الشوق، بين معركة وجود، وملاحم نصر، نتعطش لمعين بيانك، ونستجدي قبساً من نورك، نهفو لإطلالة سماحتك؛ لتلقي على أرواحنا آيات السكينة والاطمئنان، وتتلو آيات البأس ومعنى الصبر بكل مكان، وترتل ألحان مناجاتك بأسًا وجهاداً.
سيدي: لم ندرك هذه السرعة في العروج، لم نتوقع سرعة الاصطفاء، كنا نأمل بصلاة النصر بميدان العزة دومًا خلفك، نرفع رايات المجد على أعمدة البأس ونسمع صوتك، تتلو الفتح بيانًا يسمع هذا الكون، وتكتب هذا الوعد الصادق تحرق خصمك، لكنك لا زلت معنا روحاً وستبقى.
سيدي: كما كنت أكسجين العزة والكرامة والإباء، ونافخ روح الثبات والصبر والفداء، ومنقذ الكرامة من هوان الأعداء، ما زلت وستظل إلى الأبد، فأنت حيٌّ باقٍ فينا للأبد، نتنفس على هواك، ونحيا بالكرامة في معناك، نستند على بأسك في كُـلّ حرف خلدته، ونتفيأ ظلال قلبك الرحيم.
لم تمت ولم تفن فروحك لا زالت تقودنا نحو النصر وتظللنا في كُـلّ زمانٍ ومكان، وعلى مشارف هذه المأساة سيدي، عهدنا ووعدنا، سنكمل الطريق، رغم لوعة الفراق، ومر الاشتياق، إلا إننا عزمنا على الوقوف بثباتٍ في نفس الدرب، ولو تكالبت علينا الدنيا، سنكمل ما بدأت، وقد توثبت أفئدة العشاق جحيماً في كُـلّ ثغر؛ لتواصل دربك وتأخذ ثأرك، وتخط بأشلاء أعزاءٍ في كُـلّ الساحاتِ العهد فعالاً لا أقولاً!!
ويشع النور حروفًا رسمت بدمانا عهد وفاءٍ لك، وسننصر، وتصلي روحك معنا وستحضر!
أنت النصر وأنت الفتح وأنت الطوفان الأكبر!