العزةُ السرمدية والحياةُ الأبدية

عدنان عبدالله الجنيد

1- الله هو الذي يتخذ الشهداء:

الشهادة في سبيل الله تعالى منزلةٌ رفيعة، واختيار إلهي، الشهادة ليست مسألةً عادية، وليست مسألة بسيطة، هي شيءٌ عظيم، شأنها كبير، هي في مقدِّمة كُـلّ شيء: منزلة رفيعة عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من يحظى بها من الناس، من المسلمين، من المؤمنين؛ فقد حظي بشرفٍ كبير، منزلته عند الله تعالى- عند الله وهذا أعظم من كُـلّ شيء- منزلة رفيعة، في القرب من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيما يحظى به من رضوان الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من التكريم الإلهي؛ ويجتبي ويتخذ من يمنحه هذا الفضل، هذه المنزلة الرفيعة العالية، هذه المرتبة العالية في درجات الفضل عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ}، فهي ذات مرتبة كبيرة في درجات القرب والفوز والتكريم الإلهي.

2- الله هو الذي يشتري الشهداء لقوله تعالى (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى):

ولا يتم الشراء إلا بالرضا؛ لأَنَّ الشهداء لديهم الإحساس بالمسؤولية الذي يجعلهم يقفوا بوجه الظالمين وَيتمتعون بروح العطاء والايثار وَالشجاعة وَالثبات وَكُـلّ هذه المعاني اختزنها الشهداء وَعبّروا من خلال مواقفهم وَصمودهم وَفي الأخير شهادتهم عن تلك القيم، وحملوا قوة الإيمان وقوة السلاح وهذا هو الفرق بين من يشتريهم الله وبين من يشتريهم الشيطان الأكبر.

يتجلى كرمُ الله سبحانه وتعالى وجوده وعطاؤه، الله سبحانه وتعالى هو الذي يهبنا الأنفس، وهو الذي يعطينا المال، ثم يقول لنا بيعوني هذه الأنفس وبيعوني هذا المال، ولكم في مقابل هذا البيع الجنة، وفي الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

3- الفوز العظيم العزة السرمدية والحياة الأبدية، الشهادة هدية من الله تبارك وتعالى لمن هم أهل لها، إن الشهادة في سبيل الله تعالى هي إحدى الطرق للوصول إلى رضا الله والقرب منه، ومعنى الشهادة أن يقتل الإنسان في سبيل هدف سامٍ ونبيل في طاعة الله عز وجل.

4- الانتفال إلى حياةٍ حقيقيةٍ أبدية فيها السعادة والتكريم الإلهي العظيم، فيها الفرح الدائم، والاستبشار الأبدي، فيها الراحة والسعادة والكرامة، وهذا ما أكّـد عليه في القرآن الكريم، في قوله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169).

{بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، هذا دليلٌ قاطعٌ وواضح على أنهم في حياة حقيقية، أن الله يرزقهم فيها برزقه، ويحظون برعايته الواسعة، ويعيشون في حالة فرحٍ دائم، هذا المقام العظيم الذي كانت تتطلع إلية عيون أولياء الله الكبار، فيطلبون من الله ويتوسلون إلية بلهفة أن يرزقهم هذا المقام الرفيع.

{فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}، آتاهم الشيء العظيم، الواسع، العجيب، الذي يفرحهم به، في ظل عطائه المتجدد والعظيم، فهم دائمًا في حالة فرح، لا يساورهم أي هم، ولا أي غم، ولا أي ضجر، ولا أي ضيق، ولا أي ملل، ولا أي نقصٍ يعانون؛ بسَببِه في شيء، حياة سعيدة بكل ما تعنيه السعادة.

5- الاستبشار بالذين لم يلحقوا بهم، لا بُـدَّ أن نكون على مستوى الاستبشار يبقى الشهداء دائمًا حاضرون في أذهاننا، وفي عقولنا، وفي قلوبنا، وفي إراداتنا، وفي أذهاننا، وفي عينا وفكرنا وثقافتنا وأدبياتنا وخطابنا، ونحمل صفاتهم من الإيمان والمسؤولية والعمل والجهاد والصبر والتضحية، والارتباط بهم يقرب روحية الإنسان من روحيتهم حتى يصير واحدًا منهم جاهزًا لتلقي هذا الفيض الإلهي الذي يلقوه، وهو الشهادة.

{وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ}، لا زالوا يستبشرون لمن بقي وراءهم من إخوتهم في الدرب، في الطريق، في الموقف، في التوجّـه؛ لأَنَّهم وصلوا هم وسبقوا هم إلى ذلك النعيم العظيم، إلى تلك الحياة السعيدة الطيبة، فهم يتذكرون إخوانهم وأعزاءهم وأحباءهم، ويستبشرون لهم أنهم سيلحقون بهم إلى ذلك النعيم، إلى تلك الحياة السعيدة.

ثمار مفهوم الشهادة وفق الرؤية القرآنية هو:

– يحمي الأُمَّــة من الضياع، والتمييع، والرذيلة، والفساد.

– يرسِّخ المبادئ والقيم العظيمة.

– يربي الإنسان على الإباء والعزة والكرامة.

– وهو أَيْـضًا يرتقي بالأمة إلى كسر هذا الحاجز: حاجز الترهيب والسطوة والجبروت.

– وبالتالي يرتقي بالأمة إلى مستوى التحَرّك لمواجهة الأعداء، مهما كان جبروتهم، مهما كان طغيانهم، مهما كانت وحشيتهم.

يجب أن يعلم عملاء أمريكا أن الشهادة في سبيل الله لا يمكن أن تقاس بالغلبة أَو الهزيمة في ميادين القتال، مقام الشهادة نهاية العبودية والسير والسلوك في العالم المعنوي. لا تحقروا مقام الشهادة وعهدًا منا للشهداء في معركة “الجهاد المقدس والفتح الموعود” أننا على دربهم ماضون ومُستمرّون حتى تحقيق النصر وتحرير المقدسات.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com