وقفاتٌ متأملةٌ في سنوية الشهيد 1446هـ
عبدالقوي السباعي
أيُّها الزائرُ الحبيبُ لروضاتِ الشُّهداء: قِـــفْ ثابتًا وأنت تتلو بخشوعٍ صلواتِ زيارتِك لهذه الأرواح التي ارتقت في معتركِ الشرف والكرامة، وفي مواقعِ العزة والمجد.
قِـــفْ شامخًا فأنت في أرضٍ مقدَّسةٍ تحتضنُ أرواحًا من البشر تتسامى هيئاتُها؛ إذ إنها للملائكة أقربُ، نزفت من دمائها حتى الرَّمَقِ الأخير؛ في سبيل الله ومن أجل الله؛ ودفاعًا عن الأرض والعرض والحرية والسيادة والاستقلال.
قِـــفْ متأمِّلًا ملامحَ هذه الوجوه التي جاءت سقيًا لهذه الأرض التي أخرجت من جوفها قومًا لم يتسلل يومًا إلى عزائمهم خورٌ أَو انهزام، ولم يطرق اليأسُ إلى قلوبهم بابًا، وتمتم على وَقْعِ أرواحهم ترانيم الخلود العازفة على أوتار الحياة، في لحنٍ لا هدر فيه ولا مجال للنقاش على عظمته، بعد أن قدَّمت سيلًا من الانتصارات؛ من وريد الخلد إلى نشوة الحياة.
قِـــفْ طويلًا أمامَ هذه الصفوف المنظومة رَسْمًا بالمهابة والشموخ، وهي تحتضن أجسادًا أمطرت عبير دماءٍ تنزلت إلى أحضان التراب اليمني المقدس، فأحالته حقولًا من سنابل الخير وأزهار من الأمان لأبنائه البرّرة، وصفائح من البارود الملتهب تحت أقدام الغزاة والمحتلّين وأذنابهم من الخونة والمنافقين.
قِـــفْ هُنا.. واخلع نعلَيْك حين تتجول بين هذه الأضرحة، فهُنا أرواح تشبَّعت بالهداية الإلهية القرآنية، ومن بين سطور الملازم الحسينية البدرية لمحت الطريق، وقبل أن تحتضنَها رُسُلُ الملكوت الأعلى، أضاء وميضُ برقها ما بين الخافقين، وأرعدت وأمطرت فيضَ عطاء ومكارم لا تزال تحُفُّ دروبَ المسيرة العالمية بالعناية والألطاف الإلهية والتأييد والمدد.
نعم.. حريٌّ بنا أن نتوقَّفَ في مقام هذا العطاء الذي انسكب على هذا التراب الطاهر، نتأمل إرادَة القدرة الإلهية في أن تنبت من دمائهم غراس العزة والكرامة والحرية والإباء، نتلمس فضائلهم؛ نفتش عن مناقبهم، رغم يقيننا أننا نجدها في وجوه الأطفال والنساء؛ نقرأها في الشوارع والأحياء، وفي الأسواق والطرقات والأضواء وفي كُـلّ شيءٍ يقابلنا.
ونحن نعيش أسبوع الشهيد هذا العام، أدعوكم أَيْـضًا للتأمل؛ ونقرأ سويًّا تفاصيل الأحداث والمواقف، وما نحن عليه من عزة ومنعة وفخر وإكبار من كُـلّ أحرار العالم بفضل مسيرتنا القرآنية العالمية، وعظمة مدرسة الشهادة والشهداء، والذي نرى أثرَ ما صنعت في عزائم الرجال المجاهدين الأبطال، وفي قوافل الدعم والمدد.. والجود والعطاء.
وبأيدينا أن نصنَعَ من هذه المناسبة الخالدة، مِنصَّةَ انطلاقة نحو الغد المشرق، بعد أن أصبحَ وراء هؤلاء الشهداء الأتقياء؛ شعبٌ يهُـــزُّ راية المجد والظفر بيمينه في وجوه أعدائه وأعداء أمته، حتى الانتصارِ كرماءَ أَو اللحاقِ بهذا الركب المبارك شهداءَ، وهو عهدٌ بالوفاء حتى آخر نَفَسٍ لنا في هذا الوجود.