الشهادة نصرٌ حتمي وواقعي
خديجة المرّي
يتسابقُ الكثيرُ من الناسِ دونَ وعيٍ أَو إدراكٍ لمعنى الشهادةِ في سبيلِ الله، فبعضُهم يُقاتلُ بدافعِ الطمعِ المالي، والبعضُ الآخر لأجلِ مصالحَ شخصيةٍ وأهواءٍ شيطانيةٍ، والبعضُ أَيْـضًا يُمارسُ البغيَ والتجبرَ على عبادِ الله، وهناكَ من يُحاربُ تحتَ لواءِ الضّلالِ والباطلِ بوسائلَ شتّى، وكذلكَ نجدُ من يُقاتلُ بلا هدفٍ أَو غايةٍ أَو مقصدٍ، ولكنهم عندما يُقتَلون يُطلقُ عليهم مُسمّىً أَو لقبٌ “الشهداء” أَو إن صحَّ التعبيرِ “شُهداء الوطن”؛ مُعتقدين أنَّ الشهادةَ مُجَـرّد ألقابٍ تُمنحُ لمن يُقتَلون في المعاركِ دونَ فهمٍ عميقٍ لمعناها الحقيقيِّ وفقَ المفهومِ القرآنيِّ السليمِ، ولا يُدركونَ قيمتها وعنوانها المُهم وهو: “في سبيلِ الله”.
إنَّ للشهادةِ مكانةً عظيمةً وقداسةً خَاصَّة، فهي عطاءٌ من الله يُقابله اللهُ بعطاءٍ، إنها منحةٌ إلهيةٌ، وهبةٌ ربانيةٌ، ومبادئُ وقيمٌ وأهداف دينيةٌ، وهي انطلاقةٌ جهاديةٌ بعزائمَ نبويةٍ مُحمديةٍ، وشجاعة حيدرية، وتضحيات حسينية، وثوراتٌ زيديةٌ، تندرجُ جميعُها في إطار موقفِ الحقِّ وفقَ توجيهاتِ اللهِ ووفقَ تعليماته الحكيمةِ في القرآن الكريمِ، فالشهادةُ تكريمٌ من الله لعباده المؤمنين السائرين في منهجهِ كما قالَ عزَّ وجلَّ: (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ).
تتطلبُ الشهادةُ من الإنسان المؤمنِ أن يكونَ في حالةٍ من الاستعداد والتأهبِ التامِّ للتضحيةِ بأغلى ما يملكُ وهي “نفسه وروحه” التي ليس لها ثمنٌ إلا الجنة؛ لأَنَّ هذه التضحيةَ هي من تُؤهلُ أمتنا لتصمدَ أمامَ التحدياتِ وتكونَ أكثر عزمًا وثباتًا على مواجهةِ الأخطارِ، وأكثر تماسكًا وقوةً لردعِ كُـلّ الأعداء والصهاينةِ المحتلّين.
الشهادةُ في سبيلِ الله هي شرفٌ وتشريفٌ، اصطفاء وتوصيفٌ، فضلٌ وتفضيلٌ، تبجيلٌ وتعظيمٌ، كرامةٌ وتكريمٌ، سرورٌ دائمٌ ونعيمٌ، وعزٌ أبديٌ خالدٌ يمنحهُ اللهُ لخَاصَّة أوليائهِ الصالحين الذين صدقوا بوعودهِ الربانيةِ، وآمنوا بمصداقيةِ ما وَعَدَهُم بهِ، فانطلقوا في سبيلِ اللهِ بصدقٍ وإخلاص بعزمٍ وثباتٍ، بقوةٍ وإرادَة لا تُقهر، وساروا في المنهجِ والدربِ الذي سارَ عليه من قبلهم الأنبياء والصادقون، مُدركين عِظمَ الأمانة التي حملوها، فمضوا بساحاتِ النضالِ لا يخشونَ في الله لومةَ لائمٍ، وغير مُبالين بالصعوباتِ التي يُواجهونها، فكلُّ التحدياتِ تهونُ في سبيلِ الله ومن أجل إعلاءِ كلمتهِ اللهِ ونصرةِ دينه.
إنَّ الشهادةَ تُمثلُ فوزًا عظيمًا وسعادةً أبديةً مُعدةً من اللهِ للشهداءِ المُخلصين، الذين تُجدَّدُ لهم الحياةَ عنده كما وردَ في قوله: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)؛ فقد أكرمهم اللهُ بالشهادةِ، ووفقهم وفازوا بما منحهم من منزلةٍ ومكانةٍ رفيعةٍ بقربه.
تُعتبر الشهادة نصرًا حتميًّا وواقعيًّا، نصرًا بكل ما تعنيه الكلمة، كما قال السيّد حُسين -رضوان الله عليه-: «أنت منتصرٌ أَيْـضًا عندما تسقط شهيدًا في سبيل الله، أنت منتصرٌ أَيْـضًا أنت عملت ما عليك أن تعمله، فبذلت نفسك ومالك في سبيل الله». وكما قال أَيْـضًا السيّد حسن -سلام الله عليه-: «إن انتصرنا انتصرنا، وإن استشهدنا انتصرنا». فهي نصرٌ للدين ونصرٌ للأُمَّـة بأكملها، وإن الأُمَّــة التي تعشق الشهادة هي الأُمَّــة التي ستظل قويةً وصامدةً وثابتةً وقادرةً على مواجهة أعدائها، ولن تنحني أَو تستسلم لهم، وهي الأُمَّــة التي لا تُهزم ولا تُقهر ولا تركع للذل مهما كان، بل ستحمي وتصون مقدساتها وتدافع عنها.
ومن المهم جِـدًّا أن نُرسخ مفهوم الشهادة وعظمتها بمعناها القرآني لنجعلها إرثًا تاريخيًّا للأجيال القادمة، فشعبٌ يعشق الشهادة هيهات أن يخضع لأعدائه.