مع ثنائية (القلة / الكثرة) لا كللَ ولا ملل.. حتى النصر
د. محمد عبد الله يحيى شرف الدين
لم يعف بايدن نفسه من قطع مسافة أكثر من تسعة آلاف كم، وبصورة عاجلة، لا تراخي بينها وطوفان الأقصى، فهب إلى أرضنا المحتلّة بقضه وقضيضه، فلم تحل شيخوخته المتأخرة عن المسارعة، ولا بعد المسافة، ولا أولويات الولايات.
كما لم يثن الغرب الكافر وشيطانه الأكبر طول مدة العدوان على قطاع غزة، وما ترتب عليها من تبعات مادية ثقيلة، وهم من يحسبون ألف حساب للتبعات المادية.
ولكن: لماذا؟
القضية بالنسبة لهم تمثل تهديداً وجودياً، وهذا ما عبرت عنه قيادات الإجرام في كيان العدوّ الإسرائيلي الزائل، وهي -فعلاً- قضية وجودية للطرفين (المسلمين /الكافرين).
ما دامت تمثل قضية فلسطين تهديداً وجودياً للطرفين؛ فلم لا يثور عالم الإسلام لنصرة قضيته الوجودية؟ ولو في أدنى مستوى من استنفار الغرب الكافر وشيطانه الأكبر!!
من سنن الله -سبحانه وتعالى- في الصراعات ألا تجد السواد الأعظم مستجيبًا لله تعالى، ولقضاياه العادلة؛ إنما تجد القلة المؤمنة تنطلق مستجيبة لله ممتثلة راغبة في تحقيق العدل والأمن.
لقد أكّـد الله تعالى في القرآن الكريم، وفي أكثر من موضع على ذلك، فقال جل شأنه: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ، إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}، [سُورَةُ الأَنعَامِ: ١١٦]، وطالما ورد في القرآن الكريم: (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون، لا يشكرون، لا يعلمون)، بل قال جل شأنه: {وَمَا أَكثَرُ النَّاسِ وَلَو حَرَصتَ بِمُؤمِنِینَ}، [سُورَةُ يُوسُفَ: ١٠٣].
وفي المقابل لا يستجيب لله تعالى إلا القلة، فقال تعالى: {وَمَن ءَامَنَ، وَمَا ءَامَنَ مَعَهُ إِلَّا قَليل}، [سُورَةُ هُودٍ: ٤٠]، {وَقَليل مِّن عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، [سُورَةُ سَبَإٍ: ١٣]، وقد أثنى سبحانه وتعالى على القلة، وجعل النصر على أيديهم، فقال: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ، وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}، {فَهَزَمُوهُم بِإِذنِ اللَّهِ}، [سُورَةُ البَقَرَةِ: ٢٤٩: ٢٥١].
ففي المعايير الإلهية يواكب النصر القلة المؤمنة، وهذا المعيار تغفله البشرية؛ إذ تركن إلى الكثرة عدداً وعديداً لتحقيق الغلبة.
وبناء على المعطيات السابقة، يمكن القول: إن تخاذل سواد المسلمين لقضية فلسطين بأغلبية ساحقة لزعمائهم، ليس بمؤشر سلبي، بالنسبة للقضية الفلسطينية، وليس بمحك للنصر، فما النصر إلا من عند الله على يد ثلة الإسلام والإيمان؛ لكن مع الصبر، فالله مع الصابرين؛ فهزموهم.
ثلة من المجاهدين في فلسطين، وثلة منهم في لبنان، وثلة منهم في العراق دوخوا العدوّ الإسرائيلي مع الغرب الكافر وشيطانه الكافر ومنافقي الإسلام.
وأهل اليمن بالنسبة لعالم الإسلام الواسع هم قلة، وثلة؛ لكنهم بصبرهم، وثباتهم، وإصرارهم، بلا كلل ولا ملل في مساندة الشعب الفلسطيني سيهزمون الجمع، ويولون الدبر.
ولذا؛ لا كلل ولا ملل من الخروج الجمعي الأسبوعي في المظاهرات المليونية؛ حتى لو طال بنا الأمد إلى عقود، بل سيرث الولد من والده جيلاً بعد جيل إلى يوم القيامة، ولن نكون أضعف تحملاً من بايدن الذي قطع مسافات ألفية، وسننفق إنفاقاً في سبيل قضيتنا الوجودية؛ حتى لو تقاسمنا اللقمة مع قضيتنا الوجودية، ولن نكون أضعف إنفاقاً من إنفاق الغرب الكافر، وسنستمر في التعبئة العامة، وفي الوقفات، والمسير، ثم سنستمر بلا كلل ولا ملل في تطوير قدراتنا العسكرية.
إن المتابعة الحثيثة لقائد ثورتنا السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله-، لقضية فلسطين، بلا كلل ولا ملل، وباهتمامه، ومساندته بالغالي والنفيس؛ يزيدنا -نحن اليمانيين- إصراراً وتمسكاً بالقضية، وليست إطلالته المباركة أسبوعياً كُـلّ خميس إلا نموذجاً بسيطاً لاهتمامه الفائق، فلا تخلو كلمة من جمع المستجدات الأسبوعية حتى أدق تفاصيلها، في جهد كبير ينوء عنه فريق إعلامي، وهكذا في شتى المجالات.
إن العدوّ الإسرائيلي لا يهدأ لحظة واحدة لا يقتل فيها ويجرم، ولذا لن يهدأ الشعب اليماني لحظة واحدة إعلامياً وعسكريًّا وجماهيراً إنفاقاً وتعبئة، وفي شتى المجالات، ولن يثنيه عن ذلك إلا انقطاع النفس، ولن يتأثر بأي عوامل أياً كانت، لن يتأثر، وهو يقرأ متأملًا ممتثلًا لقول الله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.